الفوتوشوب ..مصنع «الخداع البصري» المستعد دائما لإرباك الخبر الصحفي
إذا سلمنا بأن هناك طبيبا متحفزا دائما لاستقبال الحالات في قسم الطوارئ، وإطفائيا على أهبة الاستعداد للتحرك في دقائق لإخماد حريق، ورجل مرور ينتظر على بعد اتصالا هاتفيا من حادث سير، فإننا نحتاج إلى أن نعرف أكثر أيضاً عن ''مصمم الفوتوشوب'' المتأهب على مدار الساعة من أجل بث صور مفبركة بعناية فائقة لتتسلل من ''شباك'' الوسائط الإعلامية الجديدة لتتموضع في قلب دائرة الضوء، وتسبب إرباكاً يشغل المتابعين عن مراقبة الحدث إلى تعقب ما إذا كانت صورة ما حقيقية بالفعل.
الصور ''المفبركة'' كانت ملمحاً بارزا في الآونة الأخيرة، وتراوحت بين ماهو سياسي يحاول محاكاة خبر عاجل أو قد يتعلق غالبا بتأكيد مقتل شخص ما في الوقت الذي يلي تماما تداول الخبر في وكالات الأنباء، وقد تأتي الصورة في إطار رياضي لاصطياد أو صناعة لقطات يمكن الحكم من خلالها على سلوكيات لاعب، وفي أحيان أخرى يأخذ التصميم طابعاً مناخياً يتخيل شكل ظرف جوي محتمل أو سحابة على وشك الوصول، وفي كل الأحوال فإن استخداماً سيئا يحدث لسرعة الانتشار المعلوماتي، كما أن ''ثقافة الصورة'' وهي اللغة بالغة الأهمية في العصر الحديث يتم توظيفها باتجاه النقيض المطلق لخدمة الرأي العام، ولاسيما حين ننظر إلى حقيقة مهمة هي أن الصورة وحدها تحمل في داخلها خبراً وموضوعاً يمكن بدورها أن تكون محورا لنقاشات إعلامية أو مبررا لتعبئة مواقف جماهيرية، كما أن فبركتها بكل تلك ''المهنية'' الفنية المستخدمة ضد المهنية الإعلامية تجعل منها التعزيز الجاهز دائما للشائعة على اختلاف أنواعها بالنظر إلى أن غالبية شرائح المتلقين لا تمتلك التخصص الكافي لتمييز صورة مزيفة عن أخرى واقعية.
خبراء الشائعات المرئية إذا صحت تسميتها، أو الخداع البصري إذا تطلب الأمر، أشخاص مجهولون يمتلكون دراية كاملة بفنون ومهارات التصميم وهو ما يجعلهم لا يتركون ثغرة يمكن أن ينفذ إليها الشك في تطابق الصورة مع الفكرة التي يحاولون تبنيها، والحقيقة أن لا أحد يستطيع فهم المتعة النفسية التي تنطوي على مجرد بث صورة هدفها إشاعة لغط موضوعي في الساحة الإعلامية، غير أن هؤلاء يعرفون أن إضافة كلمة ''توجد صور'' إلى أي رسالة وسائط أو موضوع إنترنت سيعني مباشرة مزيدا من المصداقية بالنسبة للمتلقي، وهي مصداقية لا تدوم طويلاً في أغلب الأحوال حيث إن الصور المفبركة - وبطبيعة الحال- ذات عمر افتراضي قصير جدا ينتهي أما بنفي الجهة المعنية أو بظهور صور حقيقية للحدث، والطريف أن الملتقي نفسه أحيانا يقوم بدور اكتشاف التزييف ولا يكلفه ذلك سوى أن يعثر على الصورة الأصلية التي تمت الفبركة على بنائها، قبل أن يقوم ببث الصورتين معاً لتوضيح الموقف.. وبالسرعة نفسها وعلى الجمهور نفسه!