لنجعل الصرف على أبحاثنا يصب في تنميتنا
إن ما أُثير من لغط حول بعض الجامعات السعودية في الأسابيع الماضية بخصوص صرفها على البحث العلمي بأساليب متنوعة للوصول إلى العالمية من خلال الحصول على المراكز المتقدمة في نتائج ''بعض'' قوائم التصنيف العالمية للجامعات، واحتياجها إلى التعاقد من أجل ذلك مع عدد من الباحثين المتميزين أو علماء نوبل بهدف زيادة عدد الأبحاث المنشورة والمدرجة في قواعد المعلومات العالمية؛ دفعني إلى التفكير في مدى أهمية كل هذه الجهود البحثية في حل كثير من المشكلات المحلية التي يواجهها المجتمع مع جودة التعليم، أو الرعاية الصحية، أو توفير الأمن الغذائي والإمدادات المستمرة للمياه الصالحة للشرب، أو التحول إلى استخدام الطاقة المتجددة، أو إنتاج المساكن الملائمة والميسرة، أو غيرها من الاحتياجات الأساسية التي تؤدي معالجتها ــــ بشكل مباشر ــــ إلى تحسين مستوى جودة الحياة للمواطنين، وبناء القاعدة الأساسية لانطلاق التنمية الحقيقية واستدامتها.
إن أكثر ما أخشاه أن جامعاتنا في خضم بحثها عن العالمية من خلال التعاون الخارجي لزيادة إنتاج البحث العلمي ونشره عالمياً قد عنيت بالأبحاث الأساسية أو النظرية التي تسعى إلى لفت انتباه الاهتمام العالمي العام من خلال البحث عن ظواهر أو أفكار علمية جديدة لزيادة الفهم العالمي وتحسينه، في مقابل إهمال الأبحاث التطبيقية التي تحدد نمط المشكلات الاجتماعية والاقتصادية القائمة في المجتمع، وجعلها قابلة للبحث عن معالجات فعالة ومباشرة تنعكس نتائجها بشكل مباشر على جودة الحياة للمواطنين، وترفع من مستواهم المعيشي، وتسهم في تمكينهم من الحصول على جميع احتياجاتهم الأساسية في مختلف مناحي الحياة، وبحسب المتغيرات الثقافية والاجتماعية والبيئية والاقتصادية المحلية التي يمر بها المجتمع. فهل الأعداد الكبيرة من الأبحاث التي أسهمت في تقدم بعض جامعاتنا ضمن بعض قوائم التصنيف العالمية للجامعات أسهمت ــــ على سبيل المثال وبأي شكل من الأشكال ــــ في حل مشكلة الإسكان لدينا أو غيرها من المشكلات الراهنة؟
إن المجتمع السعودي يواجه مجموعة من الإشكالات الأساسية الناتجة عن عدد من المتغيرات التي تتبلور حول كوننا نعيش في منطقة صحراوية شحيحة المصادر المائية والغذائية، وأن دخلنا يعتمد بشكل شبه كامل على تصدير النفط، وأن النمو السكاني لدينا من أعلى النسب العالمية، وغالبية السكان من فئة الشباب وصغار السن، إضافة إلى الزيادة الكبيرة في نسبة سكان المدن نتيجة استمرار الهجرة من القرى والمناطق الريفية إلى المدن والمناطق الحضرية، والمشكلات المصاحبة لتلك الهجرة، والتغير الكمي والنوعي المتجدد في احتياجات المواطنين ومتطلباتهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. لذا فإنني أوجه الدعوة الصادقة إلى جامعاتنا للعناية كذلك بالأبحاث التطبيقية التي تصب نتائجها ـــــ بشكل مباشر ـــــ في التنمية الوطنية المستدامة، وتعود على المواطنين بالرفاه الاجتماعي والاقتصادي. وحثها على العناية بإنشاء المراكز البحثية المتخصصة ــــ داخل جامعاتنا وعلى أرضنا ــــ في كل موضوع من المواضيع المتعلقة بالمشكلات الأساسية القائمة، والعمل على تزويد المراكز البحثية بما يلزم من معامل ومختبرات مجهزة بأكمل التجهيزات وأفضلها، وتوفير الدعم المادي اللازم لتشغليها، وتوظيف الفنيين ومساعدي الباحثين الأكفياء لمساعدة أساتذة الجامعات من أجل تحويل جهودهم البحثية إلى مشاريع وطنية تسهم في عملية التنمية المستدامة. والعمل ـــــ قبل ذلك ــــ بجد على توعية المجتمع ــــ بشرائحه كافة ــــ بأهمية البحث التطبيقي ودوره الفعال في تقديم الحلول والمعالجات السريعة والشاملة لكثير من المشكلات التنموية القائمة.