تبعات التكلف وفقد البساطة

تقضي بعض الأسر أياما وليالي في مخيم بري أو في استراحة بسيطة أو في "كبينة" على شاطئ البحر لا تتوافر بها كل عناصر الراحة الأساسية المتوافرة في مساكنهم، فسيستمتعون ويسعدون، ويداخلهم الفرح والسرور، وتعلق تلك التجربة في أذهانهم على اختلاف جنسهم وأعمارهم، ويرغبون بعد ذلك في تكرارها مرات ومرات. فما الذي يجعلهم يفضلون تلك التجربة على ما فيها من مشقة وتعب - ينتج من نقص عناصر الراحة الأساسية - على مساكنهم التي يتوافر بها كل شيء؟ أعتقد في ظني أن الأمر يعود إلى بساطة أسلوب الحياة التي يجدونها ويمارسونها في البر أو على شاطئ البحر أو في الاستراحات. إن فقد البساطة في المسكن، يدفع بهم للهرب إلى الاستراحات "والكبائن" والمخيمات البرية؛ للتمتع بالعيش ببساطة على سجيتهم ودون تكلف، وليقيموا علاقات تواصل إنسانية غير معقدة تتصف بالدفء والحميمية مع بعضهم.
إن المبالغة في حجم المسكن ومساحة عناصره، والتكلف كذلك في فخامة زخرفته "وديكوره" وتأثيثه يؤثر - بلا شك - على نفسيات السكان، وطريقة عيشهم، ونظرتهم إلى أنفسهم وإلى بعضهم وإلى الآخرين من حولهم، ويحدد أسلوب التعامل فيما بينهم، فتفرض عليهم المبالغة في الفخامة تقمُّص أدوار لشخصيات بخصائص متكلفة تنسجم مع مستوى التكلف في حجم المسكن ومساحة عناصره وفخامة الزخارف والأثاث، فتصبح بعض العلاقات بينهم ذات طابع استعراضي جاف تخلو من المشاعر الحميمية الصادقة؛ لذا تجدهم يسعون للبحث عن أي فرصة تمنحهم العودة إلى فطرتهم والعيش ببساطة من خلال بيئة المخيمات البرية "والكبائن" والاستراحات البسيطة التي تفتح لهم المجال للتصرف والتعامل ببساطة على سجيتهم. وإلا لماذا يهرب الجميع تقريبا للسهر في "الكبائن" والاستراحات، والتسابق على حجزها في العطلات والإجازات؟
ولا أريد أن يفهم القارئ أني ضد العناية بالجمال أو النظافة أو توفير عناصر الراحة والرفاهية في المسكن، فكل هذه الأمور أساسية ومطلوبة للرفع من إحساس السكان بالرضى الذاتي والثقة، وكذلك منحهم الطمأنينة والراحة الجسدية والنفسية، ولكني ضد المبالغة المتكلفة والمطغية في مساحة العناصر، والفخامة والبذخ في "الديكورات" والزخارف والأثاث والإكسسوارات التي تفوق إمكانيات الأسرة المالية، والتي تسلب من المستخدمين حقهم في العيش ببساطة، وتحرمهم من تكوين علاقات ألفة حميمة، أو الاسترخاء في مساكنهم بحرية تامة من دون عناء الضغوط النفسية الناتجة عن المبالغة والتكلف.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي