«المشاهد الدموية».. تضعك أمام الأمر الواقع
حتى بالنسبة لمشاهد متوسط المتابعة لنشرات الأخبار خلال الآونة الأخيرة، فإن نسبة أن يجد نفسه دون مقدمات أمام مشهد دموي فظيع تبدو نسبة كبيرة، وفي حالة كهذه سيهرع غالباً للمبادرة بتغيير القناة أو تغيير اتجاه بصره نحو أي شيء آخر غير شاشة التلفاز، وإذا نظرنا لحقيقة أن البعض يتجنب بطبعه مشاهدة أفلام الرعب تفاديا لفظاعة بعض لقطاتها رغم معرفته التامة بأنها نسج خيالي محض، فإن هؤلاء سيكونون في موقف لا يحسدون عليه حين تقودهم المصادفة إلى مشاهدة لقطات فظيعة لا يوجد أدنى شك في واقعيتها، وتبث بطريقة لا تتيح هامش الوقت الكافي لاتخاذ القرار بمشاهدتها من عدمها.
وإذا كانت الأحداث العنيفة التي تعج بها نشرات الأخبار قد شرعت فعلياً في صناعة مسارها الإعلامي الخاص الذي يستجيب بانفتاح كبير على كل معطياتها وينقلها كما هي، فقد أدى هذا في الوقت ذاته إلى رفع مستوى التوقع إلى حده الأعلى حين يتعلق الأمر بعرض الصور والمشاهد الدموية بحيث لم تعد تتوقع وجود منظر يمكن استثناؤه من العرض، فيما ستعرف لاحقاً أن عددا من المشاهدين باتوا ينظرون إلى هذه اللقطات كأمر طبيعي لم يعد يؤذيهم بصرياً أو نفسياً من فرط التعود عليه، لكن هؤلاء ليسوا قاعدة بطبيعة الحال.
يمكن تفهم التطابق المطلق بين الحدث والصورة بحسب قواعد الإعلام الجديد التي لا تتقيد بأي أعراف مهنية لأسباب متصلة بطبيعة حقها المشاع في التصوير والبث، ويمكن إدراك أن اليوتيوب هو القناة المرئية الكبرى لمشاهدة كل ما لا يمكن مشاهدته في القنوات الفضائية من مشاهد بمختلف مستويات القسوة والفظاعة أحيانا، ولكن أن تقوم قنوات باستخدام تلك المقاطع في تقاريرها يبدو أمراً غير مستساغ لمتابعين كثر، فضلا عن قيام تلك القنوات بتعمد تصوير وبث لقطات فظيعة تحت عنوان عريض هو إثبات المصداقية الإعلامية وتحقيق السبق، وهو العنوان الذي جعل قناة تقول في أحد تقاريرها قبل أيام ''لم نكن نرغب في عرض هذه الصور، لكن بات علينا نشرها الآن لإثبات موقفنا'' وطبعا دون أن تسبق ذلك التقرير بأي عبارة تلمح لوجود مشاهد مؤلمة، فهذا على ما يبدو ليس أمراً بأهمية إثبات الموقف!
تجدر الإشارة في هذا السياق، إلى أن كثيرا من مواقع ومنتديات الإنترنت تعتمد أسلوباً تحذيرياً في تقديم بعض محتوياتها المرئية حيث يأخذ ذلك أحيانا عبارات عامية من قبيل ''اللي ما يتحمل لا يدخل'' وهي عبارة لا ينفي شكلها المباشر أن هذه المواقع طبقت مبدأ إعلامياً رغم عدم تخصصها ، وبشكل لا تطبقه قنوات إعلامية محترفة، وهو مبدأ تؤكد عليه دراسات علمية ذهبت إلى أن مشاهدة مواد مرئية تحتوي على أعمال العنف والدماء ترتبط مباشرة بالاضطرابات النفسية المختلفة ولا سيما لدى فئة صغار السن، وذلك من خلال مستويات استجابة تتنوع بحسب حالة وزمن التلقي وتسهم في صنع صور دائمة على الذاكرة قد يستمر تأثيرها الذهني والسلوكي على مدى طويل.