اللجان العمالية رافد من روافد تطوير بيئات العمل
ينظر المجتمع إلى القوة العاملة بوصفها القوة الأساسية للاقتصاد ونبض الحياة المدنية والخدمية لأي مجتمع؛ وعلى عاتقها تلقى إدامة حياة المجتمع. والقوة العاملة تتأثر بما يدور داخل المجتمع من أزمات داخلية اجتماعية واقتصادية وثقافية؛ وكذلك بما يحيط بهذا المجتمع من تأثيرات خارجية، خاصة أن العالم أصبح قرية واحدة.
إن رسماً بيانياً لتدرُّج الصعوبات التي تواجه القوة العاملة في البلدان النامية خاصة، قد تبدأ مع الشروحات السلبية لبعض شروط صندوق النقد الدولي بما يخص إعادة هيكلة الاقتصاد وخصخصة القطاع العام، ورفع الدعم الحكومي عن الصناعات والخدمات العامة، إلى جانب ضعف القطاعات الحرفية وشبه الحرفية، ثم في مرحلة لاحقة، كان لعامل تطور تقنيات التواصل بين الشعوب والثقافات تأثيراً سلبياً في صعيد نمط الحياة الاستهلاكية بشكل عام، لتبرز أخيراً الطامة الكبرى، قصدت الأزمة المالية التي مر ويمر بها الاقتصاد العالمي.
كل ذلك أدى، على مستوى العالم ككل، إلى بروز صعوبات في الاستقرار الوظيفي والأمن المعيشي للقوة العاملة، إلى جانب التضخم وارتفاع الأسعار.. بالتالي، مزيداً من البطالة وتدن في مستويات المعيشة، رافقته زعزعة في استقرار بيئات العمل.
إن المحافظة على وظائف العمال لا تقع على عاتق قطاع بعينه، وإن كانت تدخل ضمن المسؤولية الاجتماعية للدولة بشكل أساسي، إذ يلعب القطاع الخاص، إلى جانب القطاعات الأخرى، دوره هنا كرافد داعم لتوجهات الدولة، بمعنى أن القطاع الخاص يتحمل جزءاً من الإشكالية العامة وليس كلها، التي يجب أن يتحملها المجتمع ككل بما فيه الدولة بأجهزتها كافة.
ومن منطلق الحفاظ على القوة العاملة في السعودية التي تجاوبت مع سائر المنظمات ذات الشأن: من منظمة العمل الدولية إلى منظمة العمل العربية إلى صندوق النقد الدولي وحقوق الإنسان وغيرها من المنظمات والهيئات، شرّعت القوانين لخدمة القوة العاملة والارتقاء بها، وكان آخرها صدور قرار ''تشكيل اللجنة التأسيسية للجنة الوطنية للجان العملية، بعد مرور ما يناهز ثماني سنوات على صدور ''قواعد تشكيل اللجان العمالية واللائحة التنفيذية لهذه القواعد''، في سبيل نشر الثقافة العمالية والمحافظة على حقوق القوة العاملة، فسعت بعض الشركات الكبرى إلى أن تكون من السبَّاقين في تشكيل اللجان العمالية، من خلال حرية الانتخاب والترشح دون أي تدخل منها، إلا اللهم الدعم الإداري والمادي والمعنوي لعملية الانتخاب وللجنة المنتخبة، بهدف المشاركة في تحقيق أهدافها التي نصت عليها قواعد تشكيل اللجان العمالية، في سبيل تقوية روابط الشراكة في البناء والتطوير. وحققت بعض هذه اللجان منذ تأسيسها إنجازات معتبرة منها: تفعيل الحوار العمالي إلى جانب إنجازات أخرى لا تقل أهمية لا يسمح المقام بتفصيلها.
ستستمر هذه اللجان المشكلة في بناء شخصيتها المستقلة وتطوير تنظيماتها ومتابعة أجنداتها التي يجب أن تأخذ في الحسبان الخبرات العالمية والإقليمية بما يتلاءم مع الخصوصية المحلية، لتشارك بفاعلية في معالجة السلبيات وتطوير الإيجابيات بما يخدم العمال والمنشآت، ونشر الثقافة العمالية لتمكين العمال من معرفة ما يدور في هذه القرية العالمية، والتأثيرات المتبادلة في بيئات العمل، إذ إن القوة العاملة في نهاية التحليل هي الأساس المتين لبناء الاقتصاد الناجح المؤدي إلى الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.