متى نهتم بتراثنا العلمي من الأطروحات والرسائل العلمية؟!
تشكِّل الأطروحات، والرسائل الجامعية، التي يتفاوت عددها من عام إلى آخر، مرآة للحركة العلمية الجامعية والتعليم العالي في مختلف البلدان العربية الإسلامية؛ وثمرة جهد علمي، طويل، وشاق وجاد، يقوم به أولو العزم من الباحثين تحت إشراف أساتذتهم المختصين في مختلف ضروب المعرفة الأكاديمية ومصدراً مهماً من مصادر المعلومات الثرية، كونها وثائق نادرة، تُعين الباحثين في قضاياهم وموضوعاتهم، وبوصفها موضوعات أصيلة وأصلية، لم يسبق بحثها أو دراستها، أو التطرق إلى موضوعها، ولذلك تُعد إضافة حقيقية للمعرفة.. وهي تشكل بذلك مراجع قيمة للباحثين خاصة، ولطلاب العلم والمعرفة الإنسانية عموما.
هذا المجهود البحثي والذهني المضني الكبير، لا يجد المكان المناسب والملائم لتفعيله سوى خزانات الجامعات وأدراجها! لذلك يظل توزيع هذه الأطروحات والرسائل الجامعية والفائدة منها، محدودة جداً، حيث قلّما يعرف بعضها طريق المطابع؛ ليتم طبعها، وتوزع لاحقاً بعد معالجة تحريرية ككتاب! وقد تأتي الهدية من السماء، كأن تكون التوصية بتبادل الرسائل الجامعية بين الجامعات والمراكز البحثية والأكاديمية، والعلمية المعنية وطبعها على نفقة الجامعة، أسمى، ما يصل إليه طموح الباحثين العلميين الجادين، بوصفه معياراً وحيداً وأصيلاً ما زال متبقيًا من الإرث الأكاديمي المرموق على قيمة الرسالة الجامعية وكفاية صاحبها، خاصة بعد أن بات منح الدرجة العلمية بتقدير ممتاز هو القاعدة وما سواه استثناء!
حتى هذه المنحة الربّانية، والسعادة الطارئة، لهؤلاء العلماء، والباحثين، قد لا تكتمل حين يذهبون لتسلم شهادة الدرجة العلمية؛ ليجدوا أنفسهم مسلوبي هذه التوصية بدعوى عدم وجود ميزانية تكفي لطبع هذه الرسائل، في الوقت الذي تكفي فيه الميزانية نفسها؛ لإقامة الفعاليات، والاحتفالات والمؤتمرات ذات التوصيات المكررة، وتكفي أيضًا لتجديد الممرات ودورات المياه على أحدث الطرز! حينئذ يضيع حلم صاحب الرسالة في أن يستبقي هذه التوصية حبراً على ورق وتبقى جهوده العلمية حبيسة آذان مَنْ سمعها، وشاهدها من حضور المناقشة العلنية لهذه الرسالة!
وحتى لا تئد ميزانيات الجامعات أحلام الباحثين، الطامحين لطبع رسالاتهم على نفقة الجامعة برغم توصية لجنة المناقشة والحكم بذلك؛ فإني أقترح إقامة دار نشر للبحوث العلمية للجامعات بهدف تعريف دول العالم بالجهد العلمي السعودي، تشترك في دعمها الهيئات والمؤسسات المعنية، مثل: المشروع الوطني الثقافي لتجديد الصلة بالكتاب، الذي وجّه به مقام خادم الحرمين الشريفين، منذ أكثر من سبع سنوات ولا نكاد نرى لبرامجه أثرًا! ومكتبة الملك فهد الوطنية؛ جنبًا إلى جنب مع وزارات الخارجية، والثقافة والإعلام والعدل والصحة والزراعة.. إلخ، ويكون لكل وزارة الحق في اختيار ما يناسبها من الرسائل المميزة المجازة حديثًا؛ فتعهد بنشرها لمن تراه جديراً بطباعتها وتوزيعها بأسعار مناسبة، وتتولى مسؤولية تسوية الحقوق الفكرية مع أصحاب هذه الرسائل الذين أحسب أن أحلامهم لا قد لا تتعدّى رؤية أسمائهم على غلاف كتاب مع عدم إغفال الدور المهم الذي من الممكن أن ينهض به رجال الأعمال ضمن المسؤولية الاجتماعية! فمن المؤكَّد أن تمويل النشاط البحثي الأكاديمي، والجامعي، عبر تمويل رجال الأعمال الوطنيين، أصبح مجتمعنا أحوج ما يكون إليه الآن عن ذي قبل كضمانة أساسية لالتماس آثار الجامعة في خدمة المجتمع المحلي؛ جنباً إلى جنب مع محاكاة، ما يقوم به عديد من الجامعات الأوروبية والأمريكية بإنشاء وحدات إنتاج بحثي في القطاعات الجامعية المتنوعة، مثل: مجالات العلوم الهندسية والبيولوجية والحيوية على نطاق محدود، ترتكز على سياسة تهدف إلى الربح دعماً لتمويل البحث العلمي في الجامعة وأن تقوم أيضًا بالتدريب والإرشاد، كما تفيد الطلاب بالمهارات التطبيقية والفنية.