«الأعلى مشاهدة» .. عبارة غير موثوقة بين مكاتب مجهولة وقنوات متنافسة
مع نهاية رمضان وهو أكثر الشهور زخما إنتاجيا، وتحديدا عندما يبدأ الحديث عن القناة ''الأكثر مشاهدة'' والبرنامج ''الأكثر شعبية''، فإن الأمر يتعلق نظريا باستخدام غير دقيق لأفعل التفضيل، أو بالأصح فهو أشبه بما تكتبه بعض دور النشر على أغلفة بعض الكتب من كونها الأكثر مبيعا، على الرغم من أن هذه المعلومة ليست مثبتة، ولكنها حيلة تسويقية ليس إلا، أما عمليا فليس هناك ما يؤكد استخدام أي معيار حقيقي للوصول إلى هذه النتيجة أو تلك؛ لأن الحسابات هنا تدور خارج المحك الفعلي لاحتمالات التنافس، وتقوم على عناصر عدة ليس من ضمنها الرصد البحثي في حدوده المهنية الدنيا.
بقليل من المسؤولية في التعامل مع مؤشرات من ذلك النوع، يستطيع المشاهد ألا يكترث بسجالات كتلك التي طفت أخيرا على سطح الصحف بين قنوات فضائية لها سمعتها في الشاشة العربية على إثر نشر بعض النتائج حول أكثر القنوات والمسلسلات شعبية، حيث لم يتوقف الأمر هنا، بل نشرت تصريحات وأقيمت مناسبات خاصة للاحتفاء بتلك النتائج المنسوبة لشبكة إعلامية شهيرة نفت لاحقا قيامها بأي دراسة أو استفتاء ومرجحة أن الأمر لا يعدو كونه استطلاعا عشوائيا في أحد منتديات الإنترنت، مطالبة في الوقت نفسه بقيام جهة متخصصة بدراسة محايدة تضع الجميع تحت ظروف تقييمية واحدة.
وإن كانت توصيات المنظمات الرسمية والبحثية سلطت الضوء نحو أهمية التحقق من التقييمات المتداولة إعلاميا، فقد أشارت ضمنا إلى وجود اختراقات في هذا المجال نتج منها عدد من الدراسات الوهمية أو الموجهة نحو مصلحة مؤسسة أو قناة دون الأخرى، وهو الأمر الذي يعني كذلك وجود مكاتب معنية بفبركة استطلاعات من شأنها اجتذاب الشركات المعلنة إلى وسائل إعلامية بناءً على اتفاقات مسبقة ومصالح مشتركة.
وبحسب متخصصين وأكاديميين، فإن بإمكان الجمهور أن يقرأ الكثير من النتائج التي تخبره عن تفوق برنامج أو مسلسل، ولكن هذا لا يعني تفوقه بالضرورة والسبب هو عدم وجود المعيار البحثي الحقيقي في الوصول إلى تلك النتائج؛ إذ يلفت الدكتور كاظم الغول، مشرف وحدة البحوث واستطلاعات الرأي في المركز الوطني لأبحاث الشباب، إلى أن ما يتم تداوله في الأوساط الإعلامية لا يعبر فعليا عن واقع المشاهدة أو القراءة، خصوصا أن كثيرا من الاستبيانات تتم دون وجود أساس منهجي، وقال إنه ليس هناك مشكلة في أن تعلن أي جهة أي نتيجة، ولكن بشرط أن تعلن بوضوح عن منهجيتها التي استخدمتها في الدراسة كما هو متبع لدى المراكز المعروفة محليا وعالميا أو المجلات العلمية المحكمة، وهو تماما ما طالبت به كذلك الأكاديمية والإعلامية بدور أحمد متسائلة ''ما المصدر الذي يمكن الوثوق به لتصديق أن مسلسلا معينا يحظى بأكبر عدد من المشاهدين؟.. هل قاموا باستطلاع شامل لآراء الناس، أم أجروا دراسة مسحية مرت على الجميع؟.. إن كان هذا ما حدث، فما الذي يمنع نشره لتأكيد المصداقية؟'' وأضافت بدور: إن هناك معايير يجب أن تتوافر وتراعي جوانب عدة، منها اختلاف المناطق والشرائح العمرية ومستوى الاهتمام بوسيلة إعلامية أو أخرى، مشيرة إلى أن ما تقوم به بعض المجلات من استطلاعات أسبوعية أو شهرية حول أفضليات فنية أو إعلامية أو رياضية لا يعكس سوى رأي شريحة عشوائية تشمل فقط الذين اقتنوا المجلة ثم صوتوا، وهذا ما يجعلها نتائج لمجرد الاستهلاك الإعلامي ولا يجب تعميمها أو البناء عليها.
لم يعد سرا إذن أن ثمة من يتلاعب بنتائج الدراسات الإعلامية، وعلى نحو لا يقل مجانية عن ما نجده في آلاف المواقع الالكترونية الترفيهية التي يكتب كل واحد منها على واجهته ''أكبر موقع خليجي''، الفارق الوحيد أن هذا الأخير يحول جذب بضع آلاف من الأعضاء والمعلنين الرقميين، بينما يتحرك الأول في فلك ملايين الدولارات ويدور في أروقة اقتصاديات الإعلام والإعلان.
وأهمية أمر كهذا تنتج من حدوثه في سوق إعلانية واقتصادية تعد الأضخم في المنطقة؛ إذ واصلت نسبة الإنفاق على الإعلانات في الخليج تصاعدها بعيدا عن التكهنات التي توقعت استمرار انعكاسات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية على النشاط الإعلاني في دول المنطقة، خاصة أن الزيادة في عام 2009 لم تتجاوز 9 في المائة، ليصل إجمالي الإنفاق إلى 9.2 مليارات دولار مقارنة بـ8.9 مليارات دولار لعام 2008، وهي نسبة متواضعة قياسا بالسنوات ما قبل الأزمة.