دموع المدنيين.. المشاعر الفياضة تهزم دبلوماسية الظهور التلفزيوني - فيديو
لا يواجه مذيع الأخبار أو مقدم البرامج صعوبة في أن يضع هاتفه النقال على وضع الصامت أو يغلقه تماماً قبل أن يظهر على الهواء مباشرة، الصعوبة تكمن في أنه لا يملك إغلاق مشاعره أو وضع التعبير عنها في حالة صامتة في الوقت الذي يفترض به أن يتعامل بمسؤولية مع المقتضيات ''الرسمية'' التي يتطلبها الظهور الإعلامي الحي أمام ملايين المشاهدين.
المتابعون الجيدون للقنوات الفضائية وما يرشح عنها عبر شاشات اليوتيوب خلال الآونة الأخيرة يعرفون الآن أن تغيرات نوعية طرأت على شخصية المذيع ذات الطابع الصارم الذي كان يتعامل مع المعلومة كمادة مكتوبة ينبغي أن تقرأ دون أخطاء، مع الحرص التام على عدم إبداء أي موقف شعوري أو رد فعل لحظي تجاهها، حيث عرف المتابعون أكثر من مرة مشاهد ظلت في ذاكرتهم لمذيعي أخبار لم يتمالكوا مشاعرهم أثناء تقديمهم أخبارا قاسية تواكبها صور مؤثرة في بعض الأحيان، وكانت آخر هذه المشاهد لمذيعة النشرة في القناة الإخبارية السعودية التي غلبها البكاء وهي تقدم خبر مقتل طفل سوري في الأحداث الجارية حالياً.
#2#
أبرز هذه المواقف والتي أحدثت ردة فعل في الرأي العام وتداولتها مواقع التواصل الاجتماعي هي لقطات للمذيعة السعودية فوز الخمعلي والتي أصابتها نوبة بكاء وهي تقرأ موجزا إخباريا في قناة الإخبارية السعودية، حيث كان الخبر عن مقتل طفل بنيران الجيش السوري بالسيناريو ذاته الذي قتل به الطفل الفلسطيني محمد الدرة، فلم تتمالك المذيعة نفسها، وأكملت الخبر وهي تبكي، مما انسحب على الخبر الذي بعده واضطرت القناة لختم الموجز باكرا.
الموقف الآخر كان للحارس المصري الشهير أحمد شوبير الذي أصبح يقدم البرامج الرياضية، حيث أصابته نوبة من الصراخ والعويل بعد الأحداث الدامية التي شهدها ملعب بورسعيد حيث توفي فيه 71 شخصا في مباراة كرة قدم، مما جعل هذا المقطع يحصد مشاهدات كثيرة في مواقع التواصل الاجتماعي.
#3#
الموقف الثالث كان للمذيع الكويتي في قناة سكوب الفضائية سعود الورع حيث تملكته مشاعر الحزن والبكاء بحرارة أثناء عرض برنامجه عند ترحمه على الرئيس المصري السابق حسني مبارك وتحسره على محاكمته وسجنه. ومن خلال رصد سريع لما يراه الجمهور حيال هذه الظاهرة يتضح أن الطبيعة الاجتماعية المنحازة غالباً إلى ما هو عاطفي ترى في بكاء أو انفعال مذيع ما أمراً يستحق التحية عليه، فضلا عن أنه كسر دبلوماسية الظهور النمطي أمام الكاميرا بشكل يعكس تمتعه بحس التفاعل والتأثر بما يقدم من مادة إعلامية تمس أمته ومجتمعه، الأمر الذي يراه معلقون على مقاطع اليوتيوب ذات الصلة دليلا على رقة القلب وصدق الانتماء لدى الإعلامي أو الإعلامية، في المقابل .. ومع تكرار الموقف وتحوّل بعض تطبيقاته إلى منهجية لبعض البرامج التي باتت تقوم فقط على مجرد''التعليق الانفعالي'' للمقدم، بدأت تدور في الوسط الإعلامي فرضيات التشكيك في مصداقية بعض الحالات ''الدرامية'' والحديث عن كونها تحولت إلى مجال خصب لتوظيف الحس الإنساني المؤثر - بما يحتويه من تعاطف جماهيري طبعا – كعنصر جذب للمشاهدين والمعلنين على حد سواء، في ضوء رؤية تميل إلى وصف برامج تعج بالانفعاليات المشابهة بأنها برامج ناجحة ومثيرة.
وفي حين ينفي بعض مقدمي البرامج وجود التصنع مرجحين أن شعورهم الفطري يقف وراء ردود أفعالهم على الهواء، يقول مذيعو نشرات إخبارية إنهم لا يستطيعون مقاومة حسهم الإنساني أثناء قراءة بعض الأخبار ذات المشاهد المؤلمة أو تلك التي تتضمن إعلاناً يرتبط بأحد الأحداث التاريخية، في حين يرى الإخصائي النفسي أحمد العنزي في حديثه لـ ''الاقتصادية'' أهمية أن ننظر للمذيع على أنه بشر في المقام الأول وله حسه بما يدور حوله وهذا عامل لا يمكن إخفاؤه تحت قيود الوظيفة ومتطلباتها أحيانا، ويضيف ''ردود الأفعال العاطفية على الهواء ترتبط بالتكوين النفسي لممارس المهنة الإعلامية ومدى قدرته على التحكم الانفعالي وامتلاكه التبني الشخصي أو شعوره بالتأثر الخاص تجاه قضية أو أخرى، بعض الشخصيات تملك بطبيعتها القدرة على تحييد انفعالاتها في لحظات معينة وهو جانب نفسي يفترض أن يؤخذ به في بعض الوظائف التي تشمل التعرض لمواقف مؤثرة بشكل مباشر''.
العنزي في ناحية أخرى لم يستبعد وجود نوع من التصنع في اعتماد بعض البرامج على تصاعد انفعال المقدم كمادة أساسية، مشيرا إلى أن تحليله النفسي لبعض النماذج التلفزيونية والفضائية خلص إلى أن بعض المذيعين قد لا يكون متبنياً للموضوع الذي يطرحه إلى الحد الذي يطرحه به، بجانب وجود حالة من المبالغة أحياناً في رد الفعل العصبي أو التعبيري بصورة تلبي حاجة نفسية - وربما مهنية – تجاه استقطاب التعاطف والمتابعة على نطاق جماهيري واجتماعي من أجل تحقيق أولويات قد لا ترتبط بالقضية المثارة على وجه التحديد.