قنوات بلا أخبار .. وتزييف الحقائق أبعدها عن المهنية
من المنطقي أن تتفرج على مباراة في قناة رياضية، أو أن تتابع مسلسلاً على قناة دراما، لكن أن تقضي ساعات طويلة في قناة ''إخبارية'' دون أن تستمع لنشرة أخبار أو برنامج سياسي واحد فهذا ما لا يثير الاستغراب فقط بل يضعه على محك سؤال جدي يتعلق بمفهوم إعلامي جديد على الأغلب.
بينما تتصاعد وتيرة أحداث العالم وتنعدم المسافة بين حدوث الخبر ومعرفة الناس به في ظل تعملق الإعلام الجديد كمنصة هي الأسرع في المواكبة والطرح، تجد قنوات عربية وقتاً كافياً لتصف نفسها بـ ''الإخبارية'' دون وجود دلالات عملية أو مهنية على تطبيق هذا الوصف، كما أن المحتوى ''الإخباري'' الذي تقدمه هذه القنوات لن يجعلك حتما تعرف معلومة جديدة محترمة بشأن حدث ما يدور في العالم، ولكنها ستقترح عليك سيناريوهات مؤدلجة ومفبركة اختلط فيها التدليس بالتزييف وصنعت لها مفهومها الخاص لما يجب توقعه باستثناء نشرة الأخبار المتعارف عليها مهنيا.
وحين نحاول قراءة هذا الواقع من خلال نموذج كالقناة الإخبارية السورية على سبيل المثال، فإن المتابع يلاحظ قيام المادة البرامجية الرئيسية على التقارير الإعلامية طويلة الأجل ذات الطابع غير الآني والتي ملئت بجرعات مبالغ فيها من البعد عن الواقعية ومخالفة لطبيعة الأحداث الواقعية.
حيث تتجه هذه التقارير إلى قلب الحقائق والتعليق على أحداث العالم المختلفة وفقاً لوجهة نظر أحادية تنضح بالتطرف وبالنظرة الأمنية القمعية، والتي غالبا ما تركز على ملفات بعينها بحكم طبيعة الأحداث التي يمر بها الشعب السوري. في الوقت نفسه يغيب تماما مفهوم الاستوديو الإخباري الذي يوفر التغطية اللحظية لحدث ما ساعة حدوثه أو يقيم حوارات مباشرة مع محللين متخصصين للتعليق المواكب للأخبار، ومن البديهي في حالة كهذه أن تغيب كذلك البرامج التي ترصد ما وراء التداعيات الإقليمية من أبعاد وتأثيرات على المعادلة السياسية.
الملاحظ في تلك التقارير أنها تكتب بنمط لغوي محكم يتم فيه توظيف الصورة والمقاطع الأرشيفية مع إضفاء بعض المؤثرات البصرية أحياناً، ولا سيما في الفقرات شبه الثابتة التي تقوم القناة بتخصيصها من أجل تفنيد الرسائل الإعلامية التي تبثها قنوات إخبارية أخرى، في المقابل فإن الخطاب المتبع في هذه التقارير يعتمد بشكل واضح على الأسلوب البلاغي والإنشائي الذي لا يلائم طبيعة المادة الخبرية التي تتجه - بحسب ماهو متعارف عليه إعلاميا – إلى المعلومة المحددة وليس إلى الموقف المترتب عليها وذلك ربما يكون بسبب إرباك المتلقي بالحالة اللغوية للنص في ظل اهمال الحقيقة وتزييف الوقائع الإخبارية. وفي فترات أخرى من البث ''الأخباري'' ستجد نفسك أمام مجموعة من شهود العيان الذين يعبرون عن مواقفهم الفكرية وليس عن وصفهم لما حدث كما جرت العادة، في حين يأتي الشريط الإخباري أحيانا بإسنادات وإحالات عامة لا يمكن التحقق منها وذلك عبر عبارات من قبيل ''المواطنون يرفضون أو ينددون'' بحدث أو بآخر، وفي أحيان أخرى تقدم القناة مقطوعات شعرية أو أدبية تصب في فكرة الحماس القومي أو الوطني، وهذا أمر يمكن تفهمه ضمن معطيات الواقع الخاصة ولكن معايير المهنية في قناة إخبارية متخصصة قد لا تستوعبه تماما.
في قنوات إخبارية أخرى، تحضر نشرة الأخبار بشكلها الطبيعي غير المختلف عما هو الحال عليه في قناة غير متخصصة، كما يمكنك أن تجد عددا من البرامج الحوارية والمسجلة التي تناقش شؤونا متنوعة يحدث في أثناء فترة بثها الكثير من المستجدات العالمية التي يفترض بقناة إخبارية مواكبتها أولا بأول.
في هذا السياق، يرى محمود يوسف، أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة أن المصداقية والتحرر من أي ضغوط سياسية على أي وسيلة إعلامية هو الأساس الذي تتقدم به القناة الإخبارية عموما وتحظى من خلاله على ثقة مشاهديها والجمهور المستهدف.
ويضيف يوسف إلى ذلك عوامل أخرى مثل متابعة الحدث أولاً بأول وآخر المستجدات ووجود شبكة من المراسلين في العديد من المناطق الساخنة، حيث يضيف ذلك مصداقية في نقل الأحداث، مع إتاحة قدر معقول من إتاحة الفرصة للتعبير عن الرأي، والجمع بين مهنية عالية وحرية محترمة.
ويضيف ''القناة الإخبارية التي تضع أولوياتها في التغطية بما يتلاءم مع طبيعة الحدث والموضوع هي التي تنجح، أما القناة التي تضع في حساباتها أهمية المنطقة الجغرافية الصادر عنها الخبر فستبوء بالفشل، فالعبرة بالخبر وأهميته وليست العبرة بالمكان الذي يصدر عنه''.