إعادة هندسة العلاقة بين البنوك والمنشآت الصغيرة والمتوسطة (1 من 2)
لست الأول، ولن أكون الأخير بين من كتب أو سيكتب عن طبيعة العلاقة بين البنوك والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وكيف تراجعت أدوار البنوك، أو توارت تحت ستار الأزمات وأخص أزمات الكبر، ودعاوى الحرص على مراعاة أموال المساهمين، حتى ضاع التمييز بين الفرصة والمخاطرة الحقيقية، والمخاطرة التي تعشعش في خيال المديرين فقط، لتضيع حقيقة الاستثمار وتحقيق العوائد، أو تكاد وهذا ما يعرف بصناعة المال قيمة ضياع الفرصة التي لا أعتقد أنها تدخل في حسابات مديري البنوك!
طالعتنا إحدى صحفنا المحلية في العدد الحالي من المنشآت الصغيرة والمتوسطة، حيث تضم القائمة اليوم نحو 833 ألف منشأة، ومؤكد أن الكثيرين أعجبوا بمثل هذا الرقم الذي لو كان بمكان آخر، وأتيحت له الأموال والفرص الكافية لكان الحال على غير الوجهة التي هي عليها الآن، حيث يحار المرء ويتساءل: ألا يوجد بين هذا الزخم الهائل من يمكنه أن يغطي مشروعه، لينجح، فينجح بنجاحه قطاع كامل؟ أم سنبقى مكتفين بعقد المؤتمرات والندوات، وأحاديث الجميع عن أهمية قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وأهميته البالغة للاقتصاد الوطني؟ ثم نكتشف أن نسبة القروض التي توفرها البنوك لها لا تبلغ سوى 2 المائة من إجمالي القروض التي تقرضها لقطاع الأعمال حسبما نشر في تقرير مؤسسة التمويل الدولية، أي أن 833 ألف منشأة تتقاسم 2 في المائة من إجمالي القروض في المملكة، فقط هل هذا من العدل أو يدل على أن هذا القطاع مهم ويعتبر من القطاعات الاستراتيجية التي يجب تنميتها؟
إن ما تحققه البنوك من أرباح، وتنشره بفخر في الصحف باعتباره ''شفافية، ونمو معدلات أداء'' لن يعبر عن أفراح مقابلة من قبل المستثمرين الصغار والكبار على حد سواء، فلو كان المجال مفتوحاً للجميع لوجدنا اليوم العديد من البنوك العالمية والمحلية تتسابق لتفتح لها أبواب في هذا الوطن الغالي للإفادة من السيولة المتراكمة في البنوك السعودية التي وصلت 18 مليار دولار فقط لحسابات السيدات في المملكة عام 2011، لكن المخاوف، والروتين القاتل الذي تسير عليه البنوك منذ تأسيسها أنتج عقماً في ضخ منتجات مصرفية تتوافق مع متطلبات السوق، فسبب تشوهاً في الاقتصاد الوطني، لنبقى نعتمد اعتماداً كلياً على النفط.
ففي أيامنا هذه، لو تقدم صاحب منشأة صغيرة أو متوسطة إلى البنوك لطلب تسهيلات بنكية، أيا كان نوع هذه التسهيلات فسيكون الرد التقليدي العقيم: نريد منك قوائم مالية مدققة لمدة ثلاث سنوات من مكتب محاسبي معتمد، ــــ بهذا الطلب أن تقيس نسبة المخاطرة ولكن أين قيمة ضياع الفرصة ـــ ولو افترضنا أن صاحب هذه المنشأة إنسان مبدع ومخترع أوجد حلاً مثالياً لمشكلة تعانيها إحدى شركاتنا الوطنية الكبيرة، وأقنع الشركة بهذا المنتج، وكان على استعداد لتنفيذه، وقيمة العقد المفترض أنه 15 مليون ريال ليستطيع تنفيذ مشروعه، ويحتاج إلى تسهيلات بنكية، فسيجابه بالرد: لا نستطيع تمويل منشأه ناشئة، السؤال إذن: كيف يمكننا أن نقوم بهذا القطاع، ونجعله قطاعاً فاعلاً إذا أغلقت عنه مصادر التمويل؟ وستجيب البنوك: لا نستطيع أن ندخل في مخاطرات عالية، ويجب أن نحافظ على حقوق المساهمين، أو الجواب الثاني: لابد من صناديق حكومية!
أخي المسؤول في البنك، إن المساهمين يريدون تعظيم العوائد على أمولهم، فالمستثمرون عندما أمّنوا المسؤولين التنفيذيين في البنوك على أموالهم أعطوهم في المقابل رواتب عالية حتى يتحملوا مسؤولية كبيرة، ويخوضوا غمار المخاطر، ويتحملوا إيجابيات وسلبيات هذا الأمر، لكن ما نراه اليوم من البنوك أنها أشبه ما تكون بصناديق أمانات لقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، فقط.
يجب أن نعيد هندسة هذا القطاع بالكامل، ويجب أن تكون لدينا بنوك متخصصة تخدم هذا القطاع، بمعنى أن تكون لدينا بنوك للمنشأة الصغيرة والمتوسطة، تخدم هذا القطاع فقط، وسنقدم في المقال القادم بعض الحلول العملية لهذا القطاع، وكيف يستطيع أن يكون أهلاً للولوج في مثل هذا المشروع الكبير.