العلاقة بين البنوك والمنشآت الصغيرة والمتوسطة (2 من 2)
هندسة العلاقة بين البنوك والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، لا تزال هاجس المستثمرين، والاقتصاديين، ومعهم حشد كبيرٌ من المراقبين والمحللين والمهتمين بالشأن المالي والاقتصادي، وراصدي مستويات النمو في القطاع، وكذلك الإعلام يدلي بدلوه في القضية، تارة يخبو، وتارة يفيض تماماً كمدٍّ وجزر!
مر بنا في المقال السابق أن حصة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في دول الخليج لا تتجاوز 2 في المائة من محافظ البنوك في دول الخليج التي تقدم التسهيلات المالية بنسب متفاوتة، فالإمارات هي أعلى دولة من دول الخليج في مجال تقديم التسهيلات البنكية، وقد بلغت بنسبة 4 في المائة من إجمالي القروض المقدمة، وأقل دولة هي قطر بنسبة 0.5 في المائة، أما السعودية وعُمان والكويت فقد كانت نسبة الإقراض 2 في المائة، وبلغ نصيب البحرين 1 في المائة حسب تقرير البنك الدولي لعام 2011.
هذه الأرقام، لا تدل ـــ من قريب ولا من بعيد ـــ على رغبة البنوك في دعم هذا القطاع، الأمر الذي يسير عكس إرادة حكومات دول الخليج، باعتبار أن دعم هذا القطاع هو بوابة المستقبل لكسب مقومات اقتصادية مختلفة، منها: تخفيف حدة البطالة في المجتمع، وتنويع سلة الاقتصاد الوطني، ولكن البنوك تحمل وجهة نظر مختلفة، حسب تقرير البنك الدولي 2011 تجتمع في السطر الآتي:
عدم وجود ضمانات كافية أو موثوق بها، ضعف النظام الائتماني، ضعف حقوق الدائنين ـــ من الناحية القانونية!
لو نظرنا إلى هذه الأعذار من زاوية مقربة، لوجدنا أن اشتراط وجود ضمان يفيد بأن البنوك لا تريد الدخول في أي مخاطرة، لكنها في الوقت نفسه تقوم بتضييع العديد من الفرص، بينما يكمن حل هذه المشكلة بمثل مشروع كفالة ـــ الذي لم يفعّل 100 في المائة. تحتاج البنوك إلى عدد أكبر من الموظفين المدربين على تحليل المخاطر وتقيم الفرص وليس موظفين من غير المؤهل الكافي لهذه العملية ـــ سؤال كم من الموظفين البنوك يحملون شهادة CFA أو أي شهادة احتراف في هذا المجال؟
أن يتبنى البنك القليل من المخاطرة، ويعوضها برفع نسبة الفائدة على القرض هذا أولا، ثانياً أن تقوم البنوك بإدارة برنامج كفالة بالكامل، وتسمح الحكومة بأخذ مخاطرات متوسطة على هذا البرنامج، فهل هذا صعب؟
أما ضعف النظام الائتماني، فنحن نعرف أن مؤسسة النقد قامت بخطوات جيدة في سبيل إنشاء سجل ائتماني للعميل، ولكن ما نرغب به أن يكون هناك تصنيف ائتماني للشركات المتوسطة والصغيرة، وسيكون على الشركة الراغبة في الحصول على تصنيف ائتماني أن تتيح جميع قوائمها المالية أمام هيئة أو إدارة تابعة لمؤسسة النقد على مدار الساعة، أي يجب أن يكون النظام المالي أو المحاسبي متصلا مباشرة بمؤسسة النقد، وبهذا نحصل على شفافية عالية من جانب الشركات، ونقلل من حدوث التلاعب في القوائم المالية، وأكرر سؤالي الأول في الحل الثاني: هل هذا صعب؟
النقطة الثالثة: ضعف حقوق الدائنين، ولكي نتجاوز هذه الإشكالية، لا بد أن ينطلق حلها على سوح القضاء، فالقضاء يحتاج محاكم تجارية يديرها قضاة متخصصون في مجال المال والأعمال، ويجب على جميع القضاة في هذه المحاكم الإفصاح عن ذممهم المالية، وحتى نرسخ العمل أكثر، فلا بد من بعض التشريعات التي تصب في تحقيق هذا الطموح، وتقضي على هذه الإشكالية البنكية.
وهناك أشكال أخرى تنوه عليه البنوك، وهو تشبع البنوك بسبب التعامل مع الشركات الكبرى، ولكي نطوق هذا الإشكال لا بد من دعوة مؤسسة النقد لفتح المجال أمام بنوك جديدة بفكر جديد ومنتجات بنكية جديدة ـــ والمصرفية الإسلامية فيها الكثير من المنتجات المعطلة ـــ حتى تخدم هذا القطاع، ومن الحلول الممكنة، المبادرة إلى إنشاء صناديق رأس المال الجريء، حيث يفرض على كل بنك أن يقوم بإنشاء صندوق واحد على الأقل، وعلى مؤسسة النقد أن تدعم البنك الذي يحقق عوائد جيدة ونسبة مشاركة أعلى بحوافز مهمة، كأن تتيح له الحصول على أسعار أقل من باقي البنوك ونحو ذلك.
حلول أخرى، نرى أنها تتمثل في إنشاء سوق أسهم خاصة بالشركات الصغيرة والمتوسطة، حيث يتعين على من يرغب في تأسيس شركة ولم يستطع الحصول على تمويل من البنوك أن يتمكن من ذلك من خلال بيع حصص من الشركة الناشئة، فنخرج من مشكلة تقييم الشركات والمشكلات القانونية في الحصص.
ومن خلال هذه السوق الخاصة بالشركات الصغيرة والمتوسطة يستطيع كل رائد أعمال يطمح يوم من الأيام أن يؤسس شركة تخدم الاقتصاد الوطني أن يقدمها عبر هذه السوق، ومن أهم الشروط التي توضع فيها: أنه لا توجد مضاربات على الأسهم ـــ كونها تفرز قيماً غير حقيقية للشركات ـــ ويتم وضع شرط أنه لا يجوز لحامل سهم الشركة المعنية بيعه إلا بعد مرور ستة أشهر مثلاً من امتلاكه، وهلم جرا.
وقد وصلت الختام، لكني لم أختتم الأفكار، فهي كثيرة ومتاحة، وقد غرستها في أرض خصبة، لبلاد مثمرة، وهي لا تحتاج سوى القليل من الرعاية، والعناية لننعم سوياً بخيراتنا، وبخبرات أبنائنا، وتدعيم اقتصادنا بتدعيم شبابنا ومشاريعهم وأفكارهم، فكل طموح صغير اليوم، سيتحول إلى إنجاز كبير في الغد، وهكذا وصلت الأمم القمم، خطوة.. فخطوة، فهل من مجيب؟