الإيجابية في الحياة العامة تنطلق من الفرد
يرى أحدنا خطأ في المرافق العامة أو سلوكاً غير مرغوب فيه من بعض أفراد المجتمع، فيلوم أول ما يلوم الجهاز الحكومي ويستجمع قواه والشواهد ليبرهن على تقصير هذا الجهاز أو ذاك وعدم قيامه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه. بينما يوجه آخرون اللوم إلى المجتمع نفسه أو شريحة منه ويصمه بكل ما يستحضره من صفات التخلف والفوضى والبدائية. وينتهي المشهد - عند البعض - باستفراغ لفظي لمشاعر الغضب والحنق.
لكن المشهد في الحقيقة لم ينته .. فما زالت هناك شخصية مهمة لم تظهر على خشبة المسرح بعد، وتمتلك الكثير والكثير مما يمكن إضافته إلى المشهد .. هذه الشخصية المهمة ليست سوى: أنت!
نعم أنت وأنا وهي، بصفتنا الفردية عناصر محورية في المشاهد التي نراها في حياتنا العامة ونتحمل كثيراً من المسؤولية على عواتقنا لتغيير الظواهر غير المرغوب فيها من حولنا تتجاوز مجرد العتاب واللوم الذي لا يغير ظاهرة سلبية ولا يحل مشكلة اجتماعية.
وعندما تتأمل أخي القارئ الكريم في الرسالة الرمزية التي تعبر عنها بعض الأحاديث النبوية على قائلها أفضل الصلاة والتسليم كما في الأحاديث المتواترة في فضل إماطة الأذى عن الطريق فإنك على الأرجح ستدرك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يريدنا أن نتعامل بإيجابية مع المظاهر الخاطئة التي نعايشها في حياتنا العامة. فبعيداً عن توجيه الانتباه إلى نطاق من المتسبب، وجه انتباهنا - نحن الأفراد - إلى السلوك الإيجابي المأمل منا تجاه المظاهر غير المرغوب فيها بسلوك من شأنه إزالة الظاهرة أو التخفيف منها.
إن التحول إلى الإيجابية في الحياة العامة ينطلق من استشعار الفرد منا مسؤوليته الفردية تجاه المجتمع الذي يعيش بينه والبيئة التي يحيا فيها. وتطور المجتمعات ورقيها لا يكون إلا عندما يتجاوز الأفراد التفكير في دوائرهم الشخصية الضيقة والانعتاق من عوالق شؤونهم المعيشية الخاصة إلى التفكير في دائرة المجتمع الواسع بهمومه ومشكلاته وتطلعاته. والمجتمعات الأقل تطوراً في حاجة أكثر من تلك المتطورة إلى سواعد أبنائها ومساهمات أفرادها في الشؤون المجتمعية. والوعي بالمسؤولية الفردية تجاه المجتمع عندما يلتقي الرصيد الذي يحتفظ به معظمنا من الخيرية والإيثار والإحسان، فإن ذلك سينتج مبادرات مجتمعية قمة في الروعة وعميقة في التأثير.
رأى أحدهم بقايا الطعام منتشرة في الحي الذي يعيش فيه فما كان منه إلا أن وضع صندوقاً في مكان واضح من الحارة لتجميع الطعام واتفق مع أحد مربي الماشية ليفرغ الصندوق باستمرار. لاحظ أحدهم أن مستوى نظافة المسجد الذي يصلي فيه أقل من المطلوب فبادر بتخصيص يوم في الأسبوع يذهب وعائلته لتنظيف المسجد. وثالث ساءه تجمع الأطفال أمام الأماكن العامة ومضايقتهم المارة فجهز لهم ملعباً على مساحة أرض فضاء فانشغل الأطفال بالرياضة. ومن الظواهر السلبية ما ينتهي بمبادرة يتيمة وأخرى تتطلب جهداً كبيراً ومتواصلا، لكن المشترك بينها أنها تتطلب فرداً مبادرا يستشعر مسؤوليته المجتمعية ويتعامل معها بإيجابية. أختم مؤكداً أن لمجتمعك حقا عليك وفي جنباتك رصيد كبير من الخيرية فمد يدك مبادراً نحو خدمة مجتمعك وتطويره في حدود الممكن والمقبول.