أين مجلس الإدارة؟

منذ تشكيل أول مجلس إدارة لشركة السوق المالية السعودية ''تداول'' في عام 1428هـ وأنا مثابر في التوكيد على أهمية الإسراع في إصدار معايير السلوك المهني التي نص عليها ''نظام السوق المالية'' ويخضع لها أعضاء ذلك المجلس، المدير التنفيذي وبقية موظفي الشركة. إذ تناولت ذلك الموضوع في ثلاثة مقالات نشرتها ''الاقتصادية'' في 22/12/1428هـ، 16/1/1430هـ، و29/11/1430هـ. ولم أكتف بالكتابة، بل أتبعتها الحديث مباشرة في أكثر من مناسبة مع الرئيس السابق للمجلس، وكذلك مع الرئيس الحالي بعد إعادة تشكيل المجلس في دورته الثانية. وعلى الرغم من الإنجازات التي حققتها ''تداول'' منذ تأسيسها، بقي موضوع ''معايير السلوك المهني'' على رأس قائمة الموضوعات التي أحسب أنها تستحق المتابعة.
لعل مرد تلك المثابرة هو القناعة بضرورة وضع ضوابط صارمة لحماية الجمهور خوفاً من إساءة استخدام الصلاحيات المطلقة التي منحها النظام لمجلس إدارة السوق. ذلك أن صلاحيات مجلس الإدارة، كما وردت في المادة الثانية والعشرين من النظام، تمتد إلى جميع مفاصل السوق كشروط إدراج وتداول الأوراق المالية، رؤوس أموال شركات الوساطة والضمانات المالية المطلوبة منها، تسوية المنازعات بين أعضاء السوق، متطلبات عضوية السوق، وغيرها. أي أن مجلس إدارة السوق الذي يضم في عضويته شركات وساطة وشركات مساهمة مدرجة يتمتع باطلاع غير مقيد على معلومات ليست متاحة للعموم أو حتى للمنافسين الآخرين من شركات الوساطة والشركات المساهمة.
لذلك لم أخف سعادتي عندما تلقيت اتصالا هاتفيا في الأسبوع الماضي من رئيس مجلس إدارة ''تداول'' بأنه قد تم اعتماد ''قواعد السلوك المهني'' لمنسوبي الشركة، ويمكن الاطلاع عليها في موقعها الإلكتروني، وهو ما ذهبت إليه. وقد وجدت هناك قائمة شاملة من القواعد التي بُنيت على حزمة من المبادئ لحماية المتعاملين في السوق. من بين تلك المبادئ: عدم إفشاء أي من المعلومات السرية أو الداخلية، الالتزام بالصدق والعدل والإخلاص والاحترام وحسن التعامل بين العاملين ومع الآخرين، السعي الدائم نحو تعزيز السوق المالية وتطويرها، البعد عن حالات تعارض المصالح والإفصاح عنها فور العلم بها ومعالجتها إن وجدت بإنصاف، تطبيق معايير الجودة في الخدمات المقدمة والحرص على إرضاء العملاء، وعدم استغلال النفوذ والصلاحيات لتحقيق مكاسب ومصالح شخصية.
إن الإعلان عن تلك القواعد، وإن جاء متأخرا بعض الشيء، يعد إضافة ملموسة لشفافية السوق وجاذبيتها أمام المستثمرين. إلا أن ما لفت نظري في تلك القواعد غياب أية إشارة فيها لأعضاء مجلس الإدارة ما قد يوحي بعدم خضوعهم لها. تلك الملاحظة، إن لم يكن لها تفسير آخر، فهي قد تشكل خللا في بنية الشركة ومدخلا لاجتهادات لا تخدم رسالتها.
اليوم تطل السوق المالية السعودية على مرحلة جديدة في مسيرتها من شأنها تعزيز مكانتها المحلية وصدارتها الإقليمية. إذ ستشهد تلك المرحلة تنظيم قنوات واسعة لجذب المستثمرين الدوليين، وزيادة عدد الشركات المدرجة. ومن ثم نتطلع لتحرك سريع من هيئة السوق وشركة ''تداول''، بالإعلان عن معايير السلوك المهني التي يخضع لها أعضاء مجلس إدارة الشركة على أن تشمل تلك المعايير إلزام كل عضو بالإفصاح عن علاقاته المالية والمهنية مع الشركات المدرجة وغير المدرجة في السوق وكذا الأدوات والأوراق المالية بأنواعها التي يملكها أو التي تحت تصرفه، وإحاطة الجمهور بتداولاته وتداولات أقاربه المنصوص عليهم في نظام السوق وعدم استبعاد غير القصر من الأولاد.
هناك معايير وضوابط متعارف عليها ومستقرة للإفصاح في الأسواق الناضجة يخضع لها أعضاء مجالس الإدارات وكل من لديهم صلاحية الاطلاع على معلومات داخلية في الشركات. وأحسب أن السوق السعودية وهي تشق طريقها نحو التميز لن تقبل بأقل من تلك الضوابط والمعايير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي