مولد التلفاز الجديد!
يعتبر التلفاز من الوسائل الأبرز للترفيه المنزلي حول العالم، وفي عهد مضى كان الانفتاح على القنوات الفضائية فتحاً عظيماً لبَّى رغبات المشاهدين آنذاك؛ إلا أن هذا الرضا سرعان ما تناقص مع قدوم ''يوتيوب'' وانتشار خدمات الإنترنت التي تجاوزت الكثير من معوقات استخدام التلفاز التقليدي؛ إذ أتاحت للمشاهد متابعة ما يحب من برامج وأفلام وتحديد الوقت الذي يرغب فيه حتى بعد فوات موعد بثه.
وفي بداية انتشار خدمات الإنترنت كانت المسلسلات والبرامج التلفازية تنقل إلى الإنترنت وتوفر للمشاهدين بجهود فردية لا مؤسسية حتى استفاقت أخيراً بعض القنوات الكبرى وافتتحت مواقع خاصة بها تنقل من خلالها مسلسلاتها وبرامجها عبر الإنترنت وفعَّلت حساباتها في ''يوتيوب'' لنقل برامجها عبر البث المباشر والمسجل، وتبدو هذه الخطوة في سياقها الصحيح تماماً في محاولة اللحاق بركب التقنية ومزاوجة الإعلام التقليدي بالجديد ولا سيما حين نتابع الإحصاءات التي تتفق على سرعة نمو عدد مستخدمي ''يوتيوب'' في السعودية، فبحسب موقع جوجل بالتعاون مع مركز TNS للأبحاث، فإن 44 في المائة من السعوديين يتصفحون ''يوتيوب'' بشكل يومي. وأشار المركز إلى أن 99 في المائة من مستخدمي الإنترنت في السعودية يشاهدون التلفاز بمعدل ٢٠ ساعة أسبوعياً و100 في المائة منهم يستخدمون ''يوتيوب'' بمعدل عشر ساعات أسبوعياً والنسبة في نمو مستمر، هذه الأرقام تبين وبوضوح مدى التحدي الذي يواجه التلفاز في موسم الهجرة إلى الإنترنت وفضائه.
ولعل من أبرز مظاهر اكتساح الإعلام الجديد للتلفاز التقليدي بروز ما يمكن تسميته (التلفاز الجديد / يوتيوب) والتظاهرة الإنتاجية السعودية من خلال العدد الكبير لبرامج الكوميديا الساخرة والتي حصدت حلقاتها عدداً هائلاً من المشاهدات حتى صار يكسر حاجز المليون مشاهد في ظرف أيام قليلة، هذه التظاهرة الإنتاجية الجديدة استطاعت وبتمويل بسيط وإمكانات متواضعة إثبات حضورها في الساحة من خلال مناقشة المستجدات الاجتماعية والمحلية والسياسية وتحريك الرأي العام ومناقشة هموم المجتمع وتطلعاته، ويأتي هذا النجاح الشبابي السعودي متزامناً مع معطيات مادية تقنية أسهمت في نشر ثقافة الهواتف الذكية بين الشباب وبالتالي سهولة تبادل هذه الأفلام ومشاهدتها من خلال ''يوتيوب'' فالمملكة تحتل المرتبة الأولى عالمياً في استخدام ''يوتيوب'' عبر الهاتف الجوال وذلك حسب إحصائية لموقع ''يوتيوب'' وتبدو هذه النتيجة مبررة إن علمنا أن المملكة أيضاً تحتل الرقم الأول عالمياً من حيث عدد مستخدمي الهواتف النقالة! حيث يوجد في السعودية 180 جهاز نقال لكل 100 من السكان وذلك بحسب الدراسة الحديثة التي أجرتها منظمة الأونكتاد.
هذه النتائج والمعطيات تُسهم في رسم ملامح المرحلة الجديدة والآخذة في التشكل والتي قد تمثل فرصة استثمارية ذهبية لأصحاب رؤوس الأموال إن وثقوا بالإعلام القادم في ''يوتيوب'' وبدلوا مواقفهم التشكيكية إلى مواقف إيجابية ومؤمنة بقدرة الفن الشبابي، معلنين بذلك نهاية تهميش الشباب وابتداء الحقبة الحديثة في الإنتاج التلفزيوني الجديد.