قراءة اقتصادية في الأوامر الملكية (1)

مر عام كامل على إصدار خادم الحرمين حفظه الله 20 أمراً تنموياً تهم راحة المواطن ورفاهيته، فهل تم تفعيل هذ القرارات على أرض الواقع؟ سأعقب في الجزء الأول من هذا المقال على أهم تلك الأوامر وأثرها على الاقتصاد المحلي.
أولاً: رفع القرض العقاري إلى 500 ألف ريال وتخصيص 250 مليار ريال لبناء 500 ألف وحدة سكنية في مختلف أنحاء البلاد. لا شك أن هذا القرار يهدف لتحقيق التنمية المتوازنة، فلم يعد خافياً أن حجم الاستثمارات العقارية بلغ أكثر من 2 تريليون ريال وأن المملكة تحتل المرتبة الثانية كأكبر سوق عقارية في العالم. المهم في الأمر ألا ينتج عن هذا القرار تجاوزات في رفع الأسعار من قبل بعض الملاك أو الوسطاء لأنه من الصعب واقعياً أن تقوم وزارة الإسكان بمفردها بردم الفجوة الإسكانية الحالية خلال خمسة أو عشرة أعوام. الأمر يحتاج إلى وجود أنظمة تمويلية ثابتة وآمنة وقوية وتضافر جهود القطاع الخاص مع الأجهزة التنفيذية المعنية، والأهم طبعاً تفعيل هذه الأنظمة بشفافية ومصداقية.
اطلعت على دراسة الأسبوع الماضي تؤكد أن المملكة في حاجة إلى نحو 4.5 مليون وحدة سكنية بحلول العام 2020م، فيما يقدر حجم التمويل الإسكاني بنحو 117 مليار ريال سنوياً لاستغلال مساحة 110 ملايين متر مربع من الأراضي الصالحة للاستثمار لمواجهة النمو السكاني المتزايد. على سبيل المثال، تقدر عدد الوحدات السكنية في مشروع مخطط الهجرة شمالي جدة - والذي يعد ثالث مخطط مخصص لبناء مساكن لأهالي جدة - بـ 15 ألف وحدة. هذه مبادرة جيدة ولكنها غير كافية، مدينة جدة بحاجة إلى 100 ألف وحدة سكنية سنوياً، أي أن احتياجات جدة من الوحدات السكنية حتى عام 2020م تقدر بنحو مليون وحدة.
مجلس الشورى ساعد على إيجاد بعض الحلول لسد الفجوة الإسكانية مثل مساهمته من خلال عدد من القرارات والمبادرات وخاصة إقراره للعديد من الأنظمة كزيادة مبلغ القرض العقاري إلى 500 ألف ريال، وإلغاء شرط تملك الأرض. لكن هذا لا يكفي، المطلوب من المجلس متابعة جادة ومستمرة لإجراءات الموافقة النهائية على أنظمة الرهن العقاري وتفعيلها على أرض الواقع.
ثانياً: دعم ميزانية وزارة الصحة بـ 16 مليارا لبناء مدن طبية تضيف 7000 سرير. هناك دلائل إيجابية ومن أهمها تصريح وزير الصحة مؤخراً عن إنشاء 249 مستشفى و125 أخرى تحت الإنجاز. حسب إحصائيات الوزارة لدينا اليوم 36 ألف سرير وتعمل الوزارة على بلوغ 66 ألف سرير خلال المرحلة القادمة، أي ضعف العدد الحالي. ولكن هذا لا يكفي، فالرياض بمفردها بحاجة إلى أكثر من 20000 سرير. كذلك فإن الخمسة مستشفيات الجديدة التي ستبنى في جدة بطاقة 1830 سريرا بادرة مباركة لكنها بالكاد تكفي لسد احتياجات حي واحد في المدينة. كنت أتمنى أيضاً أن يُعَرج وزير الصحة على أهمية التأمين الصحي والرعاية المنزلية إضافة طبعاً لاهتمامه بمشروع الربط الصحي الإلكتروني الذي سيؤدي عند اكتماله لمتابعة علاج المريض في أي مستشفى من مستشفيات المملكة.
بناء مستشفيات جديدة بادرة طيبة، ولكن الأهم توظيف المواطنين المؤهلين. بصراحة استفزني خبر نشرته شبكة ''جي إم أيه نيوز'' الفيلبينية هذا الأسبوع أن السعودية ترغب (بشكل عاجل) في توظيف 500 طبيب و800 ممرض فيلبيني من الجنسين وأن أجر الطبيب لن يقل عن 28 ألف ريال، فيما سيبلغ راتب الممرض أو الممرضة 3049 ريالاً شهريا. لهذا السبب لن أستغرب استمرار تجمعات خريجات الكليات الصحية من جامعتي الملك فيصل والملك سعود أمام فروع وزارة الخدمة المدنية للمطالبة بحقهن في العمل الشريف على أرض الوطن.
ثالثاً: إنشاء هيئة مكافحة الفساد. طالبت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في بيانها الصحفي هذا الأسبوع جهات حكومية بتحديد المتسبب في تأخر إنجاز مشاريعها. الهيئة كشفت عدداً كبيراً من مشاريع الخدمات العامة المتعثرة أو المتأخرة عن مواعيد إنجازها لفترة طويلة، والمقصود هنا الطرق والمستشفيات والمراكز الصحية والخدمات البلدية ومشاريع المياه والصرف الصحي وغيرها. كلنا يعرف أسباب تعثر المشاريع وهي باختصار شديد ضعف كفاءة الإشراف والمتابعة والرقابة، وعدم مهنية تقييم دراسة العروض والمواصفات الفنية من قبل بعض الجهات الحكومية، وضعف القدرات التمويلية والفنية، وعدم كفاءة بعض الاستشاريين والشركات المنفذة للعقود. بمعنى آخر لا بد من تحسين معايير الإشراف والمراقبة قبل وأثناء تنفيذ المشاريع.
أهداف هيئة مكافحة الفساد نبيلة وتشكر عليها ولكن غير كافية. نأمل أن تنظر الهيئة أيضاً في جرائم الفساد الإداري ومنها قضية المتهمين في تزوير صكوك الباحة وبينهم قاض وكاتب عدل محترم ورجل أعمال وبعض العاملين بالسلك القضائي والجهات الحكومية وبعض المواطنين ذوي العلاقة بإجراءات استخراج الصكوك وحجج الاستحكام. أتمنى أن تنظر هيئة مكافحة الفساد أيضاً في إشكالية طالبات كلية الليث اللاتي لم يستلمن مكافآتهن منذ أشهر. لا بد من حسم موضوع تأخير المكافآت الجامعية ومعرفة أسبابها وحل مشاكل الطالبات والطلاب وخاصة بعد الاعتصامات الأخيرة في أكثر من جامعة.
ولكي أكون منصفاً، شد انتباهي الحلول الاستباقية التي تتبعها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ومثالاً على ذلك طلب الهيئة من المؤسسات التعليمية وضع مفردات في مناهج التعليم العام والجامعي عن حماية النزاهة والأمانة ومكافحة الفساد، والقيام بتنفيذ برامج توعوية وتثقيفية بصفة دورية لطلبة الجامعات والتعليم العام. كذلك أحسنت هيئة مكافحة الفساد صنعاً عندما قامت بزيارة مفاجئة لجامعة الملك خالد هذا الأسبوع وطلبها الاطلاع على بعض الكشوفات والحسابات المالية.
سأناقش في الجزء الثاني من المقال الأوامر الملكية الأخرى المتعلقة بتطبيق عقوبات على المتلاعبين بالأسعار وكذلك السعودة والبطالة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي