سوق الأسهم وتأويل ما لا يؤول

قد يكون من غير الإنصاف مهنياً على أقل تقدير أن يقدم المحللون أو المتابعون لسوق الأسهم السعودي تفسيرات لكل تقلباته لحظة بلحظة فقط لمجرد التفسير، كما لو كان هناك دوماً سبب منطقي يتسق، وما هو معروف من أساسيات الاستثمار والاقتصاد إجمالا. وقد شهد سوق الأسهم خلال الأسابيع الماضية اهتماماً كبيراً بين أوساط المجتمع بعدما خبا الاهتمام به من جرّاء عدد من الأسباب أدت إلى عدم الثقة بالسوق، وذلك بعد انهيارات متكررة خلص المتعاملون بشكل كبير إلى عدم الثقة به والاحتكام إلى قوانين التعامل بالمهنية المتعارف عليها في أسواق الأسهم. وهذا ما يفسر أحجام التداول التي تضاءلت شيئاً فشيئاً إلى معدلات متدنية بعد ازدهار كثيف وصل إلى أرقام قياسية في وقت من الأوقات. ومنذ عام 2008 حتى قبل أسابيع لم يكن السوق يحظى بأي نوع من الاهتمام لهذه الدرجة التي أوصلت أحجام التعامل حالياً إلى القدر المنطقي الذي يتفق وحجم السوق والاقتصاد السعودي بشكل عام، غير أن هذا التغيُّر المفصلي في تنامي قيمة السوق ومعها أحجام التداول خلال فترة وجيزة يضع أكثر من علامة استفهام لمعرفة مسبّباته. إنني من الذين يرون أن كثيراً من الارتفاعات وليس أكثر من حدودها الآن لكثير من الشركات، مقبولة ومنطقية، ولكن يجب أن تكون بتدرج زمني منطقي كي نحكم على أن هذه القيم الجديدة لأسعار هذه الأسهم جاءت بسبب دوافع أساسية لربحية الشركة أو السهم، وليس مجرد زيادة في منحنى الطلب بدوافع خلاف، ما خلق ارتفاعاً غير مبرر للسهم.
ومما لا شك فيه أن الاهتمام المتزايد الذي جاء نتيجة حتمية للحراك التصاعدي في الأسعار للأسهم، خلق الحاجة لتفسيرات منطقية يتمنى المتعامل في السوق معرفتها كي يوجّه استثماره في السوق في الاتجاه الصحيح. إلا أنني أعجب لكثير ممن يتابعون السوق وينساقون وراء بعض التفسيرات التي تقحمها مصادر مختلفة، كما لو كنا سوقا تعلو فيه درجات الكفاءة المعلوماتية من منظور نظريات العلوم المالية. فهناك من يبرر بارتفاع العقار، وبالتالي الدخول في نوافذ استثمارية أخرى، وهي سوق الأسهم، وآخرون يرون دخول المستثمر الأجنبي (علماً بأنه لم يصدر شيء واضح للآن من المشرع حول هذا الموضوع)، وما إلى ذلك من تبريرات، كما أن مثل هذه الأمور غائبة عن المتعامل إلا قبل عدد من الأسابيع. إن اكتشاف سعر سهم معين بأنه أقل من قيمته الفعلية لا يأتي في يوم أو يحدث فجأة، بل هو بعد متابعة لتاريخية ربحية الشركة ومدى قدرتها على النمو في محيط أعمالها، أو لوجود فرص استثمارية استطاعت الظفر بها كي تزيد من توسع نشاطها ونموه. لذا فالتبريرات غير المنطقية يجب ألا يروّج لها، كما لو كنا يجب أن نبرّر كل حركة في السوق على أنها من منظور منطقي وأساسي. هناك مضاربات بلا شك وفي كل الأسواق جيدها ورديئها وهذا مطلوب، لكنها يجب ألا تغلب كسمة للسوق في أغلبية تعاملاته وحركته سواء في الصعود أو النزول وهذا ما أريد أن أقف عنده، حيث يجب أن نعترف بأنها تمارس بشكل كبير وإلا فالمنطق في أساسيات تقويم الشركات والسوق بشكل عام لم يتغير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي