توسيع الصناعات التحويلية صمام أمان لصناعة البتروكيماويات

منذ فترة ليست بالقصيرة، سمعنا وقرأنا خبراً عن تأسيس شركة ''صدارة للكيماويات''، وهو خبر أثار ردود أفعال عدة في الأوساط الاقتصادية والمهنية ذات الصلة بالقطاع الاستثماري، وذلك بين من يراه مشروعاً جيداً ذا جدوى اقتصادية لافتة، وبين من فضل صرف القضية لتصب في تطوير توسعة شركة سابك، وبين هذا وذاك، لا يوجد شك في البعد الاستراتيجي لتنويع الاقتصاد وتقويته مزيد من هذه المشاريع التي تدعم الفرص الوظيفية والمراكز القيادية بمزيد من الفرص المتاحة، وتدفع بالعجلة الاقتصادية إلى الأمام.
لكن السؤال المتبادر إلى الأذهان هنا هو: كيف ستواجه الصناعات البتروكيماوية التحديات المقبلة؟
لو نظرنا إلى التقرير الخاص لـ ICIS لعام 2010 نجد أن أرباح شركة BASF وصلت 10.286 مليون دولار من إجمالي المبيعات المسجلة البالغة 84.651 مليون دولار، وتعد شركة BASF الأولى عالمياً من حيث قيمة المبيعات، أما ''سابك'' - عملاق الصناعات الخليجية - فجاءت في المرتبة السادسة بمبيعات وصلت إلى 40.525 مليون دولار، وأرباح بلغت 10.105 مليون دولار، حيث نجد أن ''سابك'' - من ناحية الأرباح - قريبة جداً من BASF، و''داو كيميال'' التي تعد ثاني أكبر شركة في المبيعات، إذ وصلت مبيعاتها إلى 53.646 مليون دولار، محققة أرباحاً بقيمة 2.808 مليون دولار، وقد حققت ''سابك'' هذه الأرباح بالاستفادة من القيمة التنافسية لأسعار اللقيم، وارتفاع أسعار المبيعات، لكن ماذا سيحدث لو تغيرت أسعار اللقيم، وقل الطلب في الوقت نفسه؟
إن الذي يحدد القيمة التنافسية الحقيقية في نمو قطاع البتروكيماويات في الخليج عموماً والسعودية خصوصاً هو أسعار اللقيم، حيث تبلغ تكلفة طن الإيثيلين في أمريكا تقريباً $ 400-450/tone وطن الإيثيلين في السعودية تقريبا $ 150/tone دولار، وقد ترتفع إلى $ 300-350/tone دولار، ويتوقع أن يعود سبب الارتفاع إلى محدودية كميات الغاز.
إن أكبر مستهلك لصناعات البتروكيماويات - بصورة عامة - هو قطاع صناعة السيارات، والرقائق الإلكترونية، ومواد البناء، وحتى نفهم التأثير الذي يمكن أن يحدث في قطاع البتروكيماويات، فلا بد من معرفة ما الذي يمكن أن يحدث في هذه القطاعات، كي نعطي قيمة حقيقية لمستوى النمو فيها، إذ يتوقع أن يحدث تراجع في سوق صناعة السيارات في ثاني أكبر سوق في العالم - أمريكا - بنسبة 2 إلى 3 في المائة بسبب الأوضاع الاقتصادية في العالم، وهذا سيقلل الطلب على قطاع البتروكيماويات في 2012 و2013، كما أن مشكلة تزايد نسب البطالة في أكبر سوق استهلاكي في العالم - أمريكا أيضا - سيؤثر في استهلاك أو الطلب على قطاع السيارات على سبيل المثال لا الحصر، ولا توجد مؤشرات قوية تدل على تراجع قوي بمعدلات البطالة في الولايات المتحدة، أضف إلى ذلك مشكلة منطقة اليورو التي لم توجد إلى الآن حلاً كاملاً لقضاياها العالقة، وواضح أن هذه الأمور تشكل مصدر ضغط، وتراجعا في الطلب على المنتجات البتروكيماوية.
ومن عوامل الضغط الأخرى التي تؤثر في صناعة البتروكيماويات الخليجية اكتشاف شركة شل للغاز الذي رفع احتياطيات أمريكا منه، حيث كان احتياطي الغاز في عام 1960 نحو 290 تريليون قدم مكعب، وانخفض إلى 170 تريليون قدم مكعب في عام 1990، ثم عاد الآن ليصل إلى ما يقارب 270 تريليون قدم مكعب، ويكلف غاز ''شل'' ما يقارب 5 - 6 دولار لكل مليون BTU، وهذا يشجع المستثمرين على الاستثمار في الولايات المتحدة لعدة أسباب مهمة، منها: توافر التقنية، والأسعار التنافسية للقيم على المدى الطويل مقارنة بأسعاره في دول الخليج. صحيح أن التكلفة في المملكة هي: $ 0.75 لكل مليون BTU وهي الأرخص في العالم، ولكن مع توقع ارتفاع أسعاره تدريجيا لتصل $ 2mBTU في عام 2014، فإنه من الممكن أن يؤدي إلى تغيير الحسابات، ويدفع باتجاه ضرورة تقديم حلول ناجحة ممكنة.
إذن ما الحلول في ضوء هذه التحديات؟ نرى أن توسيع قاعدة الصناعات التحويلية والثانوية التي تعتمد على المنتج الأولي الصادر من الصناعات البتروكيماوية - مثل إنتاج ''سابك'' - سيعزز ويقوي الصناعة الوطنية، ويسد النقص في الطلب العالمي على المواد الأولية المنتجة في الخليج، ويضيف قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، ويفتح فرصاً استثمارية لرجال الأعمال، مع مراعاة وجود بيئة تنافسية للاستثمار على غرار الموجودة في الولايات المتحدة، وكذلك سيفتح فرصاً وظيفية للشاب، ويحافظ على الطبقة المتوسطة في المجتمع، ذلك أن غياب هذه الطبقة من الاقتصاد العالمي سيسبب كارثة لا تحمد عقباها.
إن الطبقة المتوسطة هي المحرك الفعلي للاقتصاد العالمي، وإن إيجاد حلول فعلية لاستمرارية هذه الطبقة هو ما يحرك الاقتصاد العالمي وليس مراعاة أصحاب رؤوس الأموال الضخمة، لأن هؤلاء ليس لهم تأثير قوي في القوة الشرائية التي تحرك الاقتصاد العالمي، وإن كثيراً من الأسواق ستتأثر بهذا التراجع المتوقع، وما ذكرناه في بداية المقال ما هو إلا دليل صغير على مدى تأثر هذه الشرائح وتأثيرها في الاقتصاد العالمي الذي يجب أن يبني جميع خطط التنمية على هذه الشريحة، وليس على أهداف الشريحة الغنية في العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي