كونوا أهلا للثقة يا شباب الرياض

الشيء الذي وجدته غريبا خلال الأيام القليلة الماضية هو كم التفاعل الإعلامي مع قرار أمير منطقة الرياض السماح للشباب بدخول المراكز التجارية، وهو القرار الذي يبدو أنه أطلق العنان للتعبير عن الامتعاض المكبوت من الوضع السابق الذي كان ساريا لسنوات طويلة. القرار أعاد الأمور في هذا الموضوع إلى نصابها، لكنه بالتأكيد ليس نهاية المطاف، لا من ناحية قدرته على معالجة أزمة الثقة بين أفراد المجتمع بكل فئاته وشرائحه وطبقاته، ولا من ناحية التأسيس لمعالجة مشكلات الشباب في الفراغ والفقر المدقع في وسائل الترفيه. المطلوب الآن أن تتبع هذا القرار منظومة متكاملة من الخطوات والإجراءات والجهود والمشاريع الموجهة لتفعيل دور الشباب في المجتمع، وتنمية قدراتهم ومهاراتهم، خاصة في الجانب السلوكي. والشيء المهم لضمان نجاح هذه الجهود - بما فيها هذا القرار الذي يمثل باكورتها - أن يثبت الشباب أنفسهم أنهم أهل لهذه الثقة التي رفع رايتها أمير المنطقة. من هذا المنطلق، أجد لزاما علي أن أهمس في آذان الشباب حديثا يراوح بين العتاب والأمل، راجيا أن يعوا من حديثي هذا شيئا من فهم طبيعة وأسباب المشكلة في علاقتهم مع مجتمعهم، ليكون هذا الفهم وسيلة لتصحيح هذه العلاقة وإعادتها إلى شكلها الطبيعي الذي نراه في كل المجتمعات، خاصة أن هذه الحالة من الانفصال والانفصام المجتمعي هي بحق حالة نشاز لا يختص بها السعوديون دون غيرهم، بل إنها تظهر في مجتمع الرياض حتى دون غيرها من مناطق الوطن السعودي الواحد.
مشكلة العلاقة مع الشباب ليست حديثة على مجتمعنا، والغريب أن الشاب الذي يعاني ظاهرة الفصل والاستبعاد عن المجتمع ما يلبث أن ينقلب على أقرانه حالما يتزوج وينتقل إلى شريحة العائلات، وهو ما يؤكد علم الشباب وفهمهم هذا الموقف القاسي الذي اتخذه المجتمع منهم. وكي أكون أكثر صراحة فإنني أقول إن هذا الموقف يبرز أيضا في مواقف الناس في بعض مناطق المملكة الأخرى في مواسم الإجازات والعطلات، فتجدهم يعاملون شباب الرياض خصوصا بشيء من التوجس والحذر والريبة. إذن، على شباب الرياض أولا معالجة هذه المشكلة في نظرة المجتمع إليهم، لا ليتمكنوا فقط من دخول المراكز التجارية، بل ليكونوا أهلا لثقة المجتمع بهم بما يعيدهم إلى مكانتهم الطبيعية في قيادة جهود التنمية، فهم عماد المستقبل وأمل الأمة. الشيء الأكيد أن هذه الثقة ستسهم في معالجة عديد من المشكلات في المجتمع، حتى بعض تلك التي لا تخص شريحة الشباب. فمثلا، يمكن أن تنحسر المخاوف من قيادة المرأة للسيارة والتوسع في إتاحة فرص العمل لها في مناخ تشيع فيه الثقة بالشباب، ويمكن أن نقلل الهدر الكبير في النفقات التي تفرضها حالات الفصل بين الرجال والنساء في كل الأماكن لو أمن الرجل على أسرته من نظرات الشباب وتحرشاتهم. بالمجمل، ستكون حياة الناس أكثر سهولة وأقل شحنا وتوترا لو شاع مناخ الثقة بين أفراد المجتمع، وابتعدوا عن معاملة الآخرين، بمن فيهم الشباب، على أنهم أعداء محتملون يلزم الاحتراز منهم بعدا عن الضرر.
إذن يا شباب الرياض، كونوا أهلا للثقة حتى تنالوا مزيدا منها، واعلموا أن مبادرة الأمير الكريمة ليست إلا اختبارا لقدرتكم على نيل هذه الثقة والإبقاء عليها. اعلموا أن كسر الأنظمة والقواعد والقوانين ليس مدعاة للفخر ولا وسيلة للتميز، وأن المكانة الاجتماعية الرفيعة لا تخول صاحبها الاستعلاء على الآخرين أو على الأنظمة والأعراف والتقاليد، بل هي في الحقيقة مدعاة لمزيد من التحفظ والالتزام ليكون صاحبها قدوة للآخرين من عامة الناس. اعلموا أن فتيات المجتمع هن أمهاتكم وأخواتكم وأهلوكم، وهم بذلك أمانة تتطلب منكم حمايتها والحرص عليها وليس التعدي عليها بالتحرش، تماما كما أن الطرق والمنشآت والمباني والأشجار أمانة تتطلب رعايتها والعناية بها وليس التعدي عليها بالتدمير وإساءة الاستخدام. وتذكروا أن شاب اليوم هو رب عائلة في المستقبل القريب، وكما تدين تدان. فكونوا نماذج يفخر بها الناس والوطن، بدل أن تكونوا حديث الناس ومادة للتشكي والتذمر والاستخفاف. كل ما أرجوه أن تكون هذه المبادرة من أمير المنطقة بداية لمسار تصحيحي يسهم فيه الجميع بدعمهم ويدلون بدلائهم، وأن تجد ما تستحقه من الإشادة والدعم بعيدا عن التشكيك المسبق والأحكام المقولبة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي