خطوة تمت وأخرى ننتظرها

لا شك أن مؤسسة النقد العربي السعودي قدمت خدمة قيمة للجمهور عندما ألزمت البنوك في الآونة الأخيرة باستخدام آلية الرسائل النصية عبر الهاتف الجوال لإشعار عملائها بكل حركة تتم في حساباتهم الجارية سواء كانت سحبًا أو إيداعًا. فقد حققت تلك الخطوة الكثير من المنافع، فضلاً عن حماية مصالح كل الأطراف بما فيها البنوك وليس العميل وحده فحسب. على أن سقف طموحات العملاء لا يقف عند ذلك الإنجاز، بل يطمحون إلى أن تصل يد الإصلاح والتطوير إلى كشوف الحسابات الشهرية التي تصدرها البنوك. ذلك أن الحال التي عليه تلك الكشوف في الوقت الراهن لا تؤدي الوظيفة التي يفترض أن تؤديها. إذ يصعب على المرء فك رموز تلك الكشوف ومطابقتها مع سجلاته، ولا سيما إن كان من عامة الناس وقد باتوا هم السواد الأعظم من عملاء البنوك. ما ينشده العملاء ببساطة هو إعداد كشوف تصدر بشكل منتظم وفق نماذج موحدة بمفردات يسهل فهمها، وأحسب أن المؤسسة قادرة على تحقيق ذلك المطلب.
هناك مسار آخر لتعامل الجمهور مع المؤسسات المالية لا يقل أهمية عن الحسابات الجارية، ألا وهو حسابات الاستثمار في الأسهم السعودية من خلال شركات الوساطة التي تخضع لإشراف هيئة السوق المالية. ذلك التعامل يتطلب فتح محافظ استثمارية لدى تلك المؤسسات تُسجل فيها الأسهم المملوكة للعميل وما يرتبط بها من معلومات كتاريخ الشراء، سعر الشراء، قيمتها السوقية، وما قد تم عليها من إجراءات كالرهن وغيره. وعندما نتحدث هنا عن تلك المحافظ فإن الحديث هو عن ملايين العملاء ومبالغ قد تفوق 200 مليار ريال حتى بعد استبعاد استثمارات المحافظ الثلاث الكبرى المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، والمؤسسة العامة للتقاعد.
لقد دعوت في أكثر من مقالة نُشرت في ''الاقتصادية'' على مدى السنوات الثلاث الماضية إلى توظيف تقنية الاتصالات الحديثة، وتحديدًا رسائل الجوال النصية لإشعار المستثمر بكل حركة تشهدها محفظته بيعًا أو شراء. وكم سَرَّ خاطري في الأسابيع القليلة الماضية أن أرى الكثير من شركات الوساطة شرعت في تقديم تلك الخدمة. إذ إن العميل أصبح يُبلغ بشكل فوري بعدد الأسهم التي بيعت من محفظته أو أُشتريت لحسابه ومتوسط السعر الذي نُفذت به تلك الصفقة. إنها خطوة جميلة بلا شك تحسب لهيئة السوق المالية التي تقضي تعليماتها منذ سنوات بأن تزود شركات التداول العميل بإشعارات تثبت ما تم من تداولات على محفظته، وجرت العادة على أن تطبع تلك الإشعارات وتوزع فور إغلاق السوق. ومن ثم تعد خطوة استخدام الرسائل النصية كآلية لإشعار العميل بما يجري في تداولاته نقلة تعزز معايير كفاية السوق وأدوات الرقابة. كما أن تلك الآلية من شأنها زيادة الشعور بالرضا لدى العميل عندما يرى بشكل فوري نتائج قراراته بيعًا أو شراء. ثم لا ننسى الميزة البيئية لتلك الآلية لما يترتب عليها من ترشيد في كميات الورق والأحبار المستخدمة.
غير أن هناك خطوة أخرى يُنتظر إنجازها في التعامل مع المحافظ الاستثمارية كي تكتمل الصورة أمام المتعاملين في سوق الأسهم السعودية. ذلك أن كل محفظة ترتبط بحساب استثماري يشكل الوعاء الذي تُحفظ فيه المبالغ النقدية التي يملكها العميل. وفي العادة يكون منشأ تلك المبالغ إما إيداعًا من العميل، حصيلة بيع أسهم من المحفظة، أو توزيعات أرباح من بعض الشركات المساهمة مستحقة للأسهم المدرجة في المحفظة. أي أن هناك مصبات مختلفة في ذلك الوعاء لا بد من متابعة متغيراتها بشكل مباشر ومُيسر، وذلك يدعو لإخضاعها لآلية مماثلة لما هو مطبق في إشعارات تداول الأسهم أو الحسابات الجارية باستخدام الرسائل النصية عبر خدمة الهاتف الجوال.
اليوم هناك الملايين من المواطنين الذين ترتبط معيشتهم بشكل مباشر أو غير مباشر بسوق الأسهم واستثماراتهم في الشركات المساهمة، ما يجعل لزامًا عليهم فتح حسابات جارية مع البنوك وأخرى استثمارية مع شركات الوساطة. تلك العلاقة الوثيقة التي تبلورت بين المواطن وأسواق المال بأنواعها تدعو إلى مواصلة السير في تطوير آليات الاتصال والمتابعة المتاحة لعملاء المؤسسات المالية لمساعدتهم على اتخاذ قرارات سليمة في إدارة حساباتهم الجارية ومحافظهم الاستثمارية وما يرتبط بها من حسابات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي