البث التلفزيوني .. الوجه الناعم للصراعات السياسية عربيا

البث التلفزيوني .. الوجه الناعم للصراعات السياسية عربيا

الأحداث السياسية والاضطرابات التي يعيشها العالم العربي أظهرت وجها آخر للصراع، كان مسرحه التلفزيون وما يبث فيه من محتوى، فأصبح الجدل حول مضامين البث التلفزيوني أشبه بمعركة كسر العظم بين التيارات السياسية المتنافسة والساعية للسيطرة على الساحة الشعبية من خلال الرسائل التي تبث من خلال البرامج والمسلسلات.
ولعل تونس هي مثال حي على ما تشهده هذه الساحة من صراعات جلية، حيث هاجم إسلاميون قناة نسمة التلفزيونية التونسية في تشرين الأول (أكتوبر) لأنها عرضت فيلما إيرانيا للرسوم المتحركة مسيئا لتعاليم الدين الإسلامي واتهموا القناة بإثارة المشاكل عشية أول انتخابات في تونس بعد الثورة التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي.
واعتقلت الشرطة المحتجين لكنها حولت مدير قناة نسمة للمحاكمة أيضا ووجهت له اتهامات من بينها انتهاك القيم المقدسة.
وفي شباط (فبراير) سجن لمدة ثمانية أيام نصر الدين بن سعيدة ناشر صحيفة صدرت بعد الثورة وتم تغريمه بعد ما نشر صورة للاعب كرة القدم الألماني من أصل تونسي سامي خضيرة وصديقته عارية على غلاف الصحيفة.
ويخشى صحفيون وعلمانيون في تونس أن تكون الواقعتان وغيرهما إشارات إلى رغبة الحكومة الانتقالية في النكوص عن المكاسب التي تحققت في مجال حرية التعبير بعد الثورة.
ويخشى كثيرون أن تركز الإجراءات القانونية ضد الصحافيين على قضايا الأخلاقيات العامة متجاهلة عيوبا مهمة تعانيها المهنة مثل عدم ذكر المصادر والتشهير. وبعد رفع حظر بشأن انتقاد الحكومة في الآونة الأخيرة يخشى صحافيون تونسيون من مواجهة خطوط حمراء جديدة.
ويعكس الخلاف بين الإعلام الذي يسيطر عليه العلمانيون في تونس والحكومة التي يقودها الآن حزب النهضة الإسلامي المعتدل صراعا أوسع بشأن الهوية في البلاد التي ظلت لعقود من بين أكثر الدول علمانية في العالم العربي.
وقالت نجيبة الحرموني نقيبة الصحافيين التونسيين في مقر النقابة إن الحكومة الجديدة مازالت تنظر إلى الإعلام بعين الريبة.
وأضافت نجيبة التي انتخبت للمنصب العام الماضي أن ما يحدث يوميا في تونس ليس عودة للرقابة وإنما هي جهود للتأثير في الصحافيين وتوجيههم إلى سياسة تحريرية معينة وشخصيات معينة وقضايا معينة.
ويتهم العلمانيون حزب النهضة بموالاة المحافظين الذين تعالى صوتهم بشكل أكبر بعد الثورة.
وفي كانون الأول (ديسمبر) دفع داعية إسلامي بإقالة الرئيسة الجديدة لراديو الزيتونة الذي يبث تلاوة للقرآن الكريم بشكل رئيسي. وحصل الداعية عادل العلمي في وقت لاحق على تصريح من الحكومة لتأسيس منظمة غير حكومية تسعى لنشر القيم الإسلامية وتسعى لمنع الصحف من نشر صور نساء غير محتشمات.
ووصف العلمي هذا بأنه احترام للدين، بينما وصفه علمانيون وصحفيون بأنه هجوم على حرية التعبير.
وقالت تونسية تدعى سعيدة زغلالي شاركت في احتجاج مناهض للحكومة أمام وزارة الداخلية يوم 25 فبراير: الحكومة هي التي تسبب المشاكل وليس نحن. يعتقدون أن أي شخص ينتقدهم كافر. وأضافت: أي شخص ينتقدهم يتعرض للهجوم.
وفي مؤتمر صحافي واجه راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة وابلا من الأسئلة حول هذه الحريات. ورد الغنوشي بالقول إن زمام الإعلام قد انفلت وأنه يساعد على الاستقطاب في المشهد السياسي.
وقال الغنوشي إنه يريد أن يتحلى الإعلام بالمهنية وأنه لا أحد يريد أن يثني الإعلام الرسمي أو الخاص على الحكومة، ولا أن ينتقل من إطراء إلى إطراء وإنما قال إنه يريده أن يتحلى بالموضوعية.
ويقول صحافيون تونسيون إنهم رغم التحديات فلا يزالون من أكبر الفئات التي حققت مكاسب من الثورة.
وبدأت أكثر من 100 صحيفة جديدة في الصدور بعد الثورة في البلاد التي لا يتعدى عدد سكانها عشرة ملايين نسمة. وبدأ بث 12 إذاعة جديدة، كما انطلقت ثلاث قنوات فضائية جديدة.
ولم تكن النقاشات التي تدور بين العاملين في الصحيفة التي يشرف مؤسسوها على مبنى استديو تلفزيوني لتخطر على بال أحد في أيام الرقابة الحكومية عندما اقتصرت الصحف على مديح بن علي وحفلت بصور السيدة الأولى في البلاد.
وشارك زياد محيرسي ويوسف جايجي وكلاهما يتحدث الإنجليزية بطلاقة في تأسيس تونيزيا لايف الذي ساعد الإعلام الدولي على معرفة أخبار تونس أيام الثورة. ويعكس ذلك المدى الذي يمكن أن يصل إليه الشبان التونسيون المتعلمون في خلال شهور فقط.
لكن سرعة وحجم التغيير في تونس جعلا قطاع الإعلام يعاني التخبط، فالإثارة كبيرة خاصة عندما يتعلق الأمر بالجدال مع الإسلاميين، كما أن المصادر قليلة والشائعات تنتشر بسرعة.
وبالنسبة لوسائل الإعلام الإلكتروني الرائدة مثل تونيزيا لايف فإنها كافحت حتى تصبح معروفة وتحصل على تمويل.
وعلى الناحية الأخرى أصدرت شخصيات سياسية أو اقتصادية كبيرة صحفا لا تكترث بالصحافة الموضوعية بقدر اهتمامها بالترويج لحملاتها الانتخابية أو مصالحها.
وأثنى خبراء قانونيون وإعلاميون على قانون جديد للإعلام وضعت مسودته لجنة مستقلة خلال الفترة الانتقالية العام الماضي لكن صحفيين يقولون إنه لم ينفذ بعد.
ولم يعد هناك في تونس وزارة للإعلام بعد الثورة لتجيز أو تمنع إصدار الصحف لكن الحكومة لم تنشئ بعد سلطة إعلامية مستقلة نص عليها القانون الجديد لاعتماد الصحافيين ومراقبة شؤون المهنة.
ويقول دبلوماسيون إن تأسيس سلطة الإعلام الجديدة سيحتاج إلى وقت حتى تترسخ معايير الصحافة ويزول اللغط حول دور حرية التعبير في الديمقراطية.

الأكثر قراءة