المرأة السعودية .. ما بعد قمة إيفريست
النفوس القوية لا تعرف اليأس، بهذا المبدأ تشارك 11 سيدة سعودية في تسلق قمة جبل إيفريست على ارتفاع 5400 متر فوق سطح البحر في أيار (مايو) المقبل. جملة مفيدة بين ثناياها مبتدأ وخبر وهدف نبيل ومستقبل.
المبتدأ هو ابتداء مرحلة مضيئة جديدة من إثبات المرأة السعودية جدارتها وشجاعتها لتسلق الصعاب. أما الخبر فقد احتفلت به عناوين الصحف المحلية والعالمية لتأسيس نهضة نسائية جديدة بكل ما تحمل من معانٍ إنسانية. الهدف هو التوعية بمخاطر سرطان الثدي في إطار حملة تحمل اسم ''رحلة نساء جبل إيفريست''، أطلقتها الأسبوع الماضي الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان، العضو المؤسس لجمعية زهرة لسرطان الثدي وبرعاية وزارتي التعليم والصحة، أما المستقبل فهو المزيد من إنجازات المرأة السعودية التي تبهر العالم كله.
رسالة جمعية زهرة لسرطان الثدي واضحة كالشمس؛ وهي نشر الوعي بين سيدات المجتمع السعودي، والكشف المبكر عن سرطان الثدي، ومعالجته والوقاية منه، والحد من آثاره السلبية، والعمل مع المصابات به خطوة بخطوة من أجل الشفاء التام - بإذن الله. أما استراتيجيات الجمعية فهي الحماية من سرطان الثدي، بنشر الوعي الصحي والاجتماعي بين سيدات المجتمع، ومكافحة انتشار المرض، والتثقيف الصحي الوقائي والعلاجي والتأهيلي، والتوعية الاجتماعية والنفسية والعلاجية. من أهداف حملة ''جبل إيفريست'' الأخرى توعية المرأة السعودية حول الوقاية من سرطان الثدي من خلال تبنّي نمط حياة صحي والمحافظة على النشاط البدني. ولمعرفتي البسيطة بجمعية ''زهرة'' وتواصلي مع بعض القائمين عليها مثل السيدتين هالة أصيل وحسناء مختار بِتُّ مقتنعًا تمامًا بأن الشجرة تُعرَف من ثمرها، وهو اقتناعي نفسه بأن حملة تسلق قمة إيفريست ستحقق نجاحًا مضيئًا - إن شاء الله.
علا عباس المرزوقي، سيدة أخرى شجاعة، هي الناطقة باسم حملة ''رحلة نساء جبل إيفريست''، والمشرف العام على مكتب جمعية زهرة لسرطان الثدي في منطقة مكة المكرمة، وإحدى الناجيات من سرطان الثدي تقول إن أهداف الحملة ثلاثية الأبعاد: نشر التوعية بخطورة مرض سرطان الثدي، وأهمية الكشف المبكر، وتحفيز السيدات على المشاركة بشكل أكبر في محاربة المرض، ودعم المصابات به، والتشجيع على أسلوب صحي متكامل.
ليست هذه أول مرة تكتب فيها جمعية ''زهرة'' تاريخ انتماء المرأة السعودية النبيل للوطن. فقد حققت الجمعية نجاحًا عالميًّا أبهرنا كلنا بدخول المملكة موسوعة جينيس للأرقام القياسية عندما نظمت الجمعية أكبر شريط توعوي بشري، الذي أقيم في ستاد جدة الرياضي في تشرين الأول (أكتوبر) 2010، حين تجمعت 3952 سيدة على شكل وردي احتفالاً بالتضامن لمكافحة مرض السرطان.
يتكون فريق الحملة من نساء سعوديات لديهن صلة قرابة بضحية مرض سرطان الثدي أو ناجية منه، وتراوح أعمار عضوات الفريق بين 25 و50 عامًا، وتشد كل منهن الرحال لتسلق جبل إيفريست وصولاً إلى قاعدة ''بيس كامب'' بين 7 و21 أيار (مايو) المقبل. هذه بلا شك مبادرة نبيلة لإثبات التزام السيدات لبعضهن بعضًا، والتزامهن نحو صحة أفضل، فكل الدراسات والدلائل تشير إلى أن النساء اللاتي يمارسن النشاط البدني هن أقل عرضة للإصابة بسرطان الثدي من النساء غير النشيطات.
هذا ليس كل شيء، فإضافة إلى صعود نساء الوطن قمة إيفريست، سيتم أيضًا التنسيق لنشاطات توعوية أخرى في المملكة تتوافق مع زمن الرحلة بهدف رائع، وهو إظهار أن هذه الحملة الشجاعة لا تخص النساء السعوديات فقط، إنما نساء العالم جميعًا. يقال إن المرأة نصف المجتمع، وهي التي تلد وتربي النصف الآخر، ولعلي أضيف هنا أنها اليوم تقود شعلة الأمل متحدية قمم الجبال.
تابعت أنشطة جمعية ''زهرة''، وأبهرني ما تقوم به من تنظيم للحملات التوعوية في جميع القطاعات وفي أرجاء المملكة كافة لتأصيل ثقافة الكشف المبكر عن سرطان الثدي بين سيدات المجتمع السعودي. ليس هذا وحسب، بل تعمل الجمعية على توفير الأجهزة الطبية المتخصصة للكشف المبكر عن سرطان الثدي ومجانية الحصول على الكشف لكل السيدات في المجتمع السعودي. لذلك لم أستغرب أن تقوم الجمعية بتوفير الرعاية الصحية للمصابات وتوجيههن للجهات المتخصصة للعلاج والعمل معهن خطوة بخطوة حتى يتم تحقيق الشفاء التام - بإذن الله. علاج مرض السرطان يتطلب الإيمان والصبر والشجاعة، وقد قالوا في الأمثال: ''من يفقد ثروة يفقد كثيرًا.. ومن يفقد صديقًا يفقد أكثر .. ومن يفقد الشجاعة يفقد كل شيء''.
لن أدع الملل يتسلل إليكم بسرد أرقام وإحصائيات، لكني أريد أن أوجز لكم بعض الحقائق كما جاءت في نشرة الجمعية. وفقًا لسجل السرطان السعودي في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث فإن سرطان الثدي هو الأكثر شيوعًا بين النساء السعوديات، حيث تسجل نحو ثمانية آلاف حالة كل سنة من بينها 50 و60 في المائة يتم اكتشافها في مرحلة متأخرة، كما ارتفعت نسبة الإصابة بسرطان الثدي من 6.7 إلى 24 في المائة بين كل حالات السرطان للمرأة خلال السنوات العشر الماضية.
أضم صوتي إلى نداء الأميرة ريما بأن تتكاتف المنظمات غير الحكومية والمدارس والجامعات وأجهزة الحكومة المختلفة والإعلام لدعم هذه الحملة النبيلة. نريد أن نعمل جميعًا للمساعدة على تحقيق رؤية جمعية ''زهرة''، بأن تتمتع كل سيدة وشابة سعودية بصحة أفضل وسليمة من سرطان الثدي، وأن نكون كلنا فخورين بمنح أصواتنا لهذا العمل الجماعي النبيل. كذلك أضم صوتي إلى نداء آخر وجهته جمعية ''زهرة'' وهو المشي لمدة 15 دقيقة يوميًّا دعمًا للمتسلقات، وعملاً على نشر التوعية ضد هذا المرض الخبيث.
إلى أسماء الشريف، مشاعل الحجيلان، منى شهاب، نورة بوظو، ورها محرق، لينا المعينا، سماهر موصلي، هتون مدني، علياء السعد، ريما آل سعود، وحسناء مختار .. ليس لدي أدنى شك أنه عندما تصعدن إلى قمة إيفريست، ستوجهن أنظاركن إلى السفح لرؤية من تعاون معكن في الصعود إليها وإلى السماء ليثبِّت الله أقدامكن لتحقيق إنجازات أخرى - إن شاء الله.