هو والآخرون
صدر حديثاً كتاب للدكتور فهد العرابي الحارثي بعنوان "هؤلاء وأنا"، والذي استعرت عنوان مقالي من عنوان الكتاب. وفي الحقيقة، إنني لن أكتب عن محتوى الكتاب أو نقده، فذاك متروك للأدباء والمثقفين من أمثال مؤلفه، لكنني رغبت أن أتعرض بإلماحات متواضعة لشخص المؤلف ومن منظور اقتصادي حتى إن كان الدكتور العرابي ليس متخصّصاً في هذا المجال. وفي الوقت نفسه أن هذه الأسطر ليست مدحاً شخصياً لذاته، وإن كان يستحق المديح والإطراء، فهو ممّن تسربل ثياب الثقافة والإعلام والأدب والكتابة وغيرها بكل وطنية عن مشكلات المجتمع، بل العالم العربي.
إن ما يدعوني إلى الكتابة عن شخص الدكتور العرابي، أنه في أعماله الثقافية والإعلامية بالذات، التي منها - على سبيل المثال - قيادته للفريق الذي أسّس صحيفة "الوطن" استطاع أن يجعل من هذا المشروع الصحافي مشروعاً ذا جدوى اقتصادية. ليس هذا فقط، بل إنه من خلال متابعتي لعدد لا بأس به من أعماله، وبالذات في بحوثه التي ينشرها مركزه الاستشاري الإعلامي، الذي يقوده، أجده يغلّب في فكره الجوانب الاقتصادية كسبب رئيس لمسبّبات عدد من المشكلات الاجتماعية التي يبحثها. وهذا في الواقع إنصافٌ لحلول كثير من المشكلات تلك. إن تناول الدكتور العرابي مواضيع شتى عن المجتمع أو الأفراد أو الكيانات المؤسساتية "الآخرين" يعكس في تشخيصه الإيمان بأهمية الجوانب الاقتصادية والمالية، التي يؤمّن عليها مَن يفهم نظرية الاقتصاد وكونها في أغلب الأحيان من يرسم توجه المجتمع ورقيه وتقدمه أو تدني مستويات تنافسيته في خريطة العالم.
إن هذا الطرح قد يراه القارئ أنه شيء غير جديد إلا أنه في واقع الحال يغفل عنه بعض من صانعي القرار وعلماء الاجتماع أو الإعلام أو المثقفين وغيرهم، سواء محليّاً أو دوليّاً، علماً أن ذلك من الأبجديات لكن الإنسان بطبيعته يغفل أحياناً عن أبسط الأشياء في حل كثير من مشكلاته، ويذهب إلى تفاصيل بعيدة معقدة يحاول "نمذجتها" بشكل ربما تسويقي، وقد كان الحل أقرب إليه من شراك نعليه. إنني أتمنى من بعض أهل الرأي خصوصاً نهج مثل هذا التفكير وإن كان ذلك لا ينسحب على كل شيء من أمور الحياة، بل إنه ليس نداءً لتعميم مطلق على كل أمر لكن الغالب والكثير منها تكون اقتصادياتها السبب في وجودها، وكذا الحلول العملية لها، وبالتالي يجب تقصي حقيقة الأثر والتأثر من منظور اقتصادي إذا كنا نطمع في حلول واقعية ومنطقية لكثير من المشكلات في المجتمع.