استراحات الطرق.. السهل الممتنع

قضية استراحات الطرق وحالتها المزرية هي إحدى القضايا التي ظلت محل البحث عن حلول جذرية على مدى سنوات من النقد والنقاش واللوم والتقريع، وهي بذلك تنضم إلى عدد كبير من القضايا المشابهة التي تقف حجر عثرة في طريق تحقيق حلم تنمية الوطن ورفاهية المواطن. مقال اليوم يأتي بعد مرور ثلاث سنوات كاملة على التصريح الحاسم الذي أطلقه رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، والذي أعلن فيه أن مشكلة استراحات الطرق ستجد طريقها للحل في غضون سنتين، وهي المدة التي انتهت قبل عام كامل دون أن نشهد حتى الآن حلا لهذه المشكلة، سوى بعض المبادرات المتناثرة هنا وهناك، بما فيها جهود شركة ساسكو لتنظيف وترقيع استراحاتها القائمة على الطرق. هذا الواقع المرير جعل هذه القضية تكتسب باقتدار صفة السهل الممتنع، وهي صفة تطلق على القضايا التي يفترض أنها ليست بعيدة عن الحلول السهلة الميسرة، ومع ذلك فإن هذه الحلول لا تجد سبيلا للتنفيذ والتطبيق، إما لغياب الإرادة أحيانا، وإما لقصور الإدارة أحيانا أخرى، وفي الحالتين يصبح تطبيق وتفعيل الحلول أمرا ممتنعا بالرغم من سهولته وبساطته. وقبل أسبوع تقريبا، وبعد مرور هذه المدة على تصريحه السابق، أعلن رئيس الهيئة أن مجلس الوزراء الموقر ينظر في حلول جذرية قدمتها الهيئة وشركاؤها بشأن استراحات الطرق. وأنا لم أستطع في الحقيقة أن أفهم مدى الصعوبة التي تواجه حل هذه القضية إلى الدرجة التي تتطلب تدخل مجلس الوزراء فيها، وهل أن رئيس الهيئة بهذا التصريح يعلن عجز الهيئة عن حل المشكلة وفق تصريحه السابق، أم أنه يعلن وقوف جهات حكومية أخرى عائقا أمام قيام الهيئة بدورها المفترض في هذا الحل، إلى الدرجة التي تتطلب تدخل مجلس الوزراء لدفع تلك الجهات الحكومية للمشاركة بفاعلية في حل المشكلة. الشيء الأكيد أن إحالة هذا الملف إلى مجلس الوزراء سيؤدي إلى إطالة أمد الحل، وستظل هذه المشكلة قائمة حتى تقتنع الجهات الحكومية ذات العلاقة بضرورة قيامها بالأدوار المطلوبة منها لمعالجة هذه المشكلة من جذورها. وحتى ذلك الحين ستظل هذه القضية تحمل صفة السهل الممتنع بالرغم من كل الإمكانات الاقتصادية الواعدة التي يحملها هذا المرفق، وبالرغم من أهميته في منظومة التنمية الاقتصادية والسياحية.
كنت قد اصطحبت أسرتي في إجازة منتصف العام الماضية في رحلة برية إلى الإمارات، وشهدت بأم عيني الهوة الواسعة بين مستوى استراحات الطرق ومحطات الوقود في الدولتين. عندما غادرت الأراضي الإماراتية في رحلة العودة إلى الرياض، تجاوزت عددا من الاستراحات الواقعة على الطريق في الأراضي السعودية هربا من واقعها المتردي، بما فيها استراحة شركة ساسكو التي تقع مباشرة بعد منفذ البطحاء الحدودي. وعلى بعد عدة كيلومترات على الطريق، لفتت نظري استراحة بدت عليها مظاهر الترتيب والنظافة، فتوقفت عندها لأملأ خزان وقود سيارتي وشراء بعض الحاجيات التموينية. وفي الحقيقة، فقد فوجئت وأفراد أسرتي بمظهر النظافة والترتيب والتنظيم في هذه الاستراحة، وفوجئنا أيضا بكم الإقبال الكبير من المسافرين عليها. أحد أبنائي سألني بكل براءة لماذا لا تكون كل الاستراحات مثل هذه الاستراحة، وكيف أمكن لهذه الاستراحة أن تصبح بهذا الترتيب، ودورات مياهها بهذه النظافة. الجواب جاء من عامل محطة الوقود الذي سمع السؤال، فقال بلكنته العربية المكسرة ''هنا في اتنين آمل نزف همام''، أي أن هناك عاملين اثنين مختصين فقط بنظافة دورات المياه. مالك هذه الاستراحة فطن إلى الحل الذي جعل استراحته بهذا التميز الذي جعلها قبلة للمسافرين على هذا الطريق، وهو بذلك يستحق الإشادة والتقدير لأنه ببساطة استطاع إنجاز ما لم تستطع هيئة السياحة ولا شركة ساسكو ولا بقية ملاك الاستراحات تحقيقه. هذه التجربة أبرزت سهولة حل هذه المشكلة، وأثارت التساؤلات حول تخبط الجهات المختصة بين الشكاوى من العوائق والعقبات وإلقاء اللوم على بعضها البعض لتبرير فشلها في حل هذه المشكلة. إنني أوجه الدعوة هنا إلى الهيئة العامة للسياحة والآثار وموظفيها المختصين، ومديري الشركات القائمة على إدارة استراحات الطرق المتهالكة، بما فيها شركة ساسكو العتيدة، إلى زيارة هذه الاستراحة والتعلم من تجربتها في الارتقاء بمستوى استراحات الطرق. بل إنني أدعو الهيئة إلى تسجيل هذه التجربة وعرضها على الملأ عبر وسائل الإعلام لتكون نموذجا للحد الأدنى الذي يجب أن تكون عليه استراحات الطرق في المملكة، ومنح مالكها جائزة التميز السياحي كونه ببساطة تمكن من تحقيق ما عجز عنه الآخرون.
خلاصة القول، حل مشكلة المستوى المتردي لاستراحات الطرق يتطلب مبادرات جادة من أصحاب القطاع، ومبادرات مماثلة من الجهات الحكومية المختصة وعلى رأسها الهيئة العامة للسياحة والآثار. فأهل القطاع عليهم الترفع عن ممارسة الاسترخاص في تجهيز وإدارة استراحاتهم، والعمل ليس فقط من منطلق وطني يقوم على أهمية تحسين صورة هذه المرافق أمام أبناء الوطن وزواره، بل أيضا من منطلق اقتصادي بحت يقوم على كم الإمكانات الاقتصادية الواعدة والمجدية التي يمكن لهم تحقيقها إن هم ارتقوا بمستواها. أما هيئة السياحة، فإن عليها ممارسة دور تحفيزي ورقابي على هذه المرافق، بعيدا عن دهاليز البيروقراطية الحكومية ومباحثات مجلس الوزراء الموقر الذي يفترض أنه أكثر انشغالا بهموم موضوعات أخرى أكثر أهمية من هذا الموضوع السهل الممتنع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي