الاستثمار في زمن الأزمات (2 من 2)
مواصلة للمقال السابق وللإجابة عن سؤال: أين نستثمر؟ وفيم؟ وما مصير الاستثمارات في أوقات الأزمات؟ الاجابة عن السؤال قد لا يكفيها مقال وحتى كتاب. السبب أن ظروف الاستثمار تختلف من كيان إلى آخر، إن كان هذا الكيان شخصا أو شركة أو كانت صناديقا سيادية. ولهذا سأحاول أن أجيب عن هذا السؤال على حسب الكيان ونبدأ بالأفراد.
أين يستثمر وفيم يستثمر الشخص العادي؟
من الطبيعي جدا أن الإنسان يقوم إما بتوفير ماله أو استثمار هذا المال.
في الدول التي تكون فيها الأزمات أو اضطرابات يخاف الإنسان من التوفير ويتجه إلى الاستثمار والسبب أنه يخاف أن تفقد العملة كثيرا من قيمتها، وبالتالي هو يفقد الكثير من مدخراته كما حدث على سبيل المثال مع الدينار العراقي والليرة اللبنانية، وكما نشهد حالياً تذبذب في العملة السورية. إذا ما هو الحل في مثل هذه الظروف؟
يجب أن نستثمر في منتجات أو سلع أو سندات أو أسهم لا تتأثر بالمدى الطويل سلباً، هذا أولاً. ثانياً سهولة تحويلها إلى نقد، على سبيل المثال لا الحصر لو أجرينا مقارنة بين الأسهم والعقار أيهما لديه قابلية أسرع للتحول إلى النقد : الأسهم أم العقار؟
بصورة عامة الأسهم أكثر قابلية لهذا، ولكن ماذا لو حدثت أزمة معينة، على سبيل المثال الحرب، أيهما أكثر أماناً على المدى الطويل: الأسهم أم العقار؟
في هذه الحالة قد يكون العقار. فالاستثمار يختلف على حسب الظروف التي يمر بها الشخص، ولكن بحسب القاعدة العامة يجب أن تنوع استثماراتك ما بين استثمار آمن أو قليل المخاطرة وسهل التحول إلى نقد، وقد لا تجتمع الصفتان معاً إلا في الذهب بالقياس للاستثمار الطويل.
فيما يخص الدول أو الصناديق السيادية يجب على كل دولة أن ترى ما هي نقاط القوى لديها ولا تعتمد فقط على هذه القوى، ولكن تضيف قيمة مضافة للاقتصاد الوطني بمعنى اليوم ـ والحمد لله ـ دول الخليج عموماً تنعم بنعمة النفط، ولكن ما ليس بصحيح أن يكون اعتمادنا على هذا النفط فقط.
كما هو حادث اليوم في جميع دول الخليج حيث تشكل واردات النفط على الاقتصاد الوطني ما لا يقل عن 80 في المائة من إجمالي الناتج القومي.
فما يجب أن تقوم به دول الخليج أن تنوع مصادر الدخل ويكون ذلك بالاستثمار في الصناعات النفطية كأحد الحلول لتنويع مصادر الدخل. ولكن كيف يتم ذلك؟
تأسيس شركات وطنية أو خليجية كما طلب خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـــ حفظه الله ـــ في مبادرته التي طرحها في القمة الخليجية الأخيرة وهي أن يتحول مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد خليجي. وأعتقد من أسهلها تكوين شركات خليجية مثل تأسيس شركة خليجية لحفر آبار النفط وصيانتها على غرار الشركات الأمريكية خصوصاً أن هذه الشركات ممكن أن تستوعب أعدادا كبيرة من أبناء الخليج وتعطى هذه الشركة مشاريع من جميع دول الخليج وتفضل على الشركات الأجنبية. قد يقول القارئ ما علاقة هذا بالاستثمار في زمن الأزمات فيما يخص الدول؟
عندما تكون الدول تمر بأزمة معينة من اضطراب داخلي يؤثر في الحركة الاقتصادية في داخل الدولة ويؤدي هذا إلى ضعف عام في اقتصاد هذه الدولة، لتتضح الصورة أكثر، أن الأزمة التي تمر بها مصر أثرت في الاقتصاد المصري بشكل عام، ولا يخفى على الجميع تأثر شركات قطاع السياحة في مصر، والسبب أن هذا القطاع يعتمد بشكل مباشر على استقرار الدولة الداخلي، ولكن هناك قطاعا آخر تأثر ولكن ليس بالضرر الذي وقع على قطاع السياحة نفسه وهو قطاع شركات الاستثمار المالي التي تعمل خارج مصر. لماذا؟
لم يكن تأثر هذه الشركات بنفس تأثر قطاع السياحة، والسبب أنها تعمل خارج الدولة، وكذلك تخدم ما ذكرنا في بداية المقال فيما يخص الأفراد من ناحية القاعدة العامة للاستثمار لدى الأفراد. فلو عملت دول الخليج بمبدأ الاتحاد كما هي أمنية خادم الحرمين الشريفين لكان هناك توفيرا ضخم في ميزانيات الدولة ولأصبحت دول الخليج من أكبر عشرة اقتصاديات منتجة في العالم ولن تتأثر كثيراً بالأزمات كما هو حادث مع كل من الهند والصين والبرازيل والسبب أنه سيكون لديها إنتاج صناعي يحتاج إليه العالم وثروة نفطية لا يستغني عنها العالم.