السديس والتطوير والإبداع

في يوم الخميس الماضي، إثر صدور الأمر الملكي الكريم بتعيين الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس رئيسا عاما لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، نشرت جريدة ''عكاظ'' تصريحات على لسانه، كان من بينها ''سنعمل بروح الفريق الواحد حيث سنتقبل كل اقتراح ورأي، فنحن لم يأت بنا ولي الأمر إلا لخدمة هذا المكان المبارك وتقديم أقصى الخدمات للزوار والمعتمرين وأن نعمل بكل صمت ملتمسين من الإخوة الدعوات وأن يتيحوا لنا الفرصة لنعمل''. وفي السياق نفسه نقلت جريدة ''المدينة'' تصريحا آخر على لسان الشيخ السديس جاء فيه ''سأنزل للميدان وأتفقد كل شيء ـــ إن شاء الله ـــ بشفافية وتعاون مع الجميع وأرجو ألا تبخلوا علي بالنصح والمشورة ـــ وإن شاء الله ـــ سيتم تشكيل مجلس أعلى استشاري ووكالة للتطوير والإبداع والتميز''.
تلك التطلعات للرئيس الجديد تدعو للتفاؤل إذا طُبقت مبادئ العمل التي صرح بها وعلى رأسها العمل بروح الفريق الواحد، الإصغاء إلى آراء الآخرين، الشفافية، والتشاور مع المتخصصين، إذ سنرى ـــ بإذن الله ـــ المزيد من التميز الذي بات سمة للخدمات التي توفرها المملكة لقاصدي المسجد الحرام ومسجد رسول الله ـــ عليه الصلاة والسلام. بالطبع تلك الإنجازات يرجع الفضل فيها لله سبحانه وتعالى ثم لما تفضل به من توفيق لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لبذل الجهود لخدمة الحجيج، الحرمين الشريفين، والمشاعر المقدسة حيث تم إنجاز العديد من المشروعات كتطوير جسر الجمرات، توسعة المسعى، الساحات، الطرق والأنفاق، قطار المشاعر، وغيرها مما كان لها الدور الكبير في استيعاب الأعداد غير المسبوقة من الحجيج، المعتمرين، والزوار.
غير أن تلك المشروعات، على رغم ضخامتها وسعتها، تظل في النهاية ذات طاقة محدودة مقارنة بالأعداد القادمة للأماكن المقدسة في أشهر الحج والمواسم الأخرى والزيادات الكبيرة المتوقعة عاما بعد عام. وكنت قد أشرت وأشدت في مقالتين سابقتين نشرتهما ''الاقتصادية'' في 5/2/1430هـ، 17/12/1431هـ بالمبادرات الموفقة التي تبنتها وزارة الداخلية في السنوات الأخيرة بتوظيف حزمة واسعة من التقنيات الحديثة في تنظيم حركة الحجيج بضبط أعدادهم وبرمجة وصولهم إلى مواقع المشاعر المقدسة ما حقق منافع كثيرة كان أبرزها سلامتهم وراحتهم والأهم من ذلك كله تمكينهم من أداء مناسكهم بيسر وسهولة. ودعوت في تلك المقالتين إلى التفكير في ملائمة وضع تنظيم مشابه، وإن كان باستخدام آليات مختلفة شيئا ما، لبرمجة الأعداد القادمة على مدار العام (في غير موسم الحج) للمسجد الحرام للصلاة أو العمرة. إذ بات ضبط الزحام في المسجد الحرام بالوسائل التقليدية أمراً مستعصياً، ولا سيما في المواسم، على الرغم من الجهود والإمكانات الكبيرة التي تبذلها الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي ورجال الأمن. حيث يبلغ الزحام في الكثير من الأحيان حداً لا يجد المصلون حيزاً فيه للركوع والسجود ناهيك عن التدافع هنا وهناك. كما تسد الطرقات والمخارج بالآلاف من البشر ما يعوق التعامل مع أي ظرف طارئ ـــ لا سمح الله ـــ وكذا الحال في الساحات الخارجية وإن كانت بدرجة أقل. أما المشقة التي يعانيها كبار السن والنساء في ذلك الزحام فليس من باب المبالغة إن وصفت بأنها مرهقة.
وأود اليوم اغتنام فرصة تعيين الرئيس الجديد لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي وما أبداه من ترحيب باستقبال ما قد يكون هناك من اقتراحات وآراء، كي أعيد طرح الفكرة التي تناولتها في المقالتين اللتين سبقت الإشارة إليهما. فقد دعوت من خلالهما إلى تسخير الإمكانات التقنية العالية التي تتمتع بها المملكة العربية السعودية والخبرة المتراكمة التي اكتسبتها في إدارة مواسم الحج، لتصميم وتنفيذ برامج على مستوى عال من الدقة لتنظيم وبرمجة أعداد الراغبين في الصلاة في المسجد الحرام أو أداء مناسك العمرة لشهور قادمة سواء كانوا من الداخل أو من الخارج في حدود الطاقة التصميمية للمسجد.
من بين المزايا الأخرى للتنظيم المقترح برمجة الاستعدادات اللازمة في المسجد الحرام بشكل دقيق يتناسب مع الأعداد التي تأكد قدومها ما يحقق ترشيداً في استخدام الإمكانات المتاحة، كما يوفر آلية جيدة لمعرفة كل من بداخل المسجد في أي وقت كان فضلاً على أنه سيقلص من المظاهر والتصرفات التي هي ليست من العبادة كالنوم وغيره. لكن الأهم من كل ذلك أن التنظيم المقترح سيكفل للجميع، مهما بعد مكان قدومهم، فرصاً متساوية للحصول على مكان في المسجد للصلاة والطواف والسعي بهدوء وطمأنينة دون تدافع أو مشقة والغاية المرجوة ينبغي ألا تخفى على أحد ألا وهي إعادة السكينة إلى العبادة في بيت الله، ولا أحسب أن هناك حاجة لسرد مقاصد أخرى إذ متى ما شاعت السكينة والطمأنينة في ذلك المكان الطاهر عمرت القلوب بمزيد من خشية الله. على أن التدرج في تطبيق تلك الضوابط أو ما شابه أمر محمود بل مطلوب، وذلك بأن يبدأ تطبيقها في المراحل الأولى في الشهور التي تقع خارج أيام المواسم وفي الوقت نفسه يبقى الدخول إلى بعض الأدوار العليا من المسجد الحرام متاحا للجميع وفقا لمبدأ ''منى مناخ لمن سبق''.
إن تلك الرؤية الجديدة في آلية التعامل مع مشكلة الزحام في الحرم، ربما تستحق دراستها من قبل ''وكالة التطوير والإبداع والتميز'' التي أعلن النية عن تشكيلها الدكتور السديس.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي