السوق لا تزال تحافظ على مستوى الحاجز النفسي عند 7000 نقطة
جاءت كلمات وزراء ''يورو موني'' شافية في وقت يثار التساؤل حول مستقبل سوق الأوراق المالية السعودية بشكل خاص والاقتصاد الوطني بشكل عام في ظل أزمة منطقة اليورو والأزمة العالمية.
وقد حملت كلمات الوزراء التي ألقيت في افتتاح المؤتمر الثلاثاء الماضي رسائل تؤكد قوة ومكانة الاقتصاد السعودي من خلال مؤشرات وحقائق وأرقام وتوقعات مستقبلية معززة في أربع رسائل قوية مالية واقتصادية وتجارية وعمالية.
وجاءت الرسالة الأولى من الدكتور محمد العساف وزير المالية، الذي أكد قدرة المملكة على الاستمرار في الإنفاق الاستثماري بالوتيرة الحالية خلال السنوات المقبلة، حتى إن حدث انخفاض في الإيرادات نظراً لقوة احتياطات المملكة. وجاء في رسالتة مؤشر قوة الاقتصاد الوطني السعودي الذي نما بنسبة 6.8 في المائة في العام الماضي، وفي ظل نمو في الناتج المحلي غير النفطي.
أما الرسالة الثانية التي تؤكد قوة الاقتصاد السعودي فكانت من الدكتور محمد الجاسر وزير الاقتصاد والتخطيط، الذي أشار إلى أن نسبة الدين العام لا تزيد على 6 في المائة من الناتج المحلي، وأن المملكة تحتل المركز 12 عالمياً من بين 183 دولة في المناخ الاستثماري.
أما الرسالة الثالثة فكانت من الدكتور توفيق الربيعة وزير التجارة الذي عدد مؤشرات تؤكد قوة الاقتصاد السعودي، منها نمو الناتج المحلي بنسبة 28 في المائة في العام الماضي، وتقدم المملكة إلى المركز التاسع عالمياً من حيث الاستقرار الاقتصادي.
وعكست الرسالة الرابعة من الدكتور مفرج الحقباني نائب وزير العمل اهتمام المملكة بتخفيض معدلات البطالة بتقديم برامج عملية كبرنامج ''حافز'' والاهتمام بتنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة ودعمها بـ38 برنامجا.
وتأتي الرسائل الأربع لوزراء المالية والاقتصاد والتجارة والعمل التي ألقيت في افتتاح مؤتمر ''يورو موني الرياض'' الثلاثاء الماضي حاملة مؤشرات تؤكد حسن إدارة المملكة لاقتصادها، وحسن التعامل مع الأزمة المالية العالمية، والقدرة على تفادي آثارها الحالية والمستقبلية، في الوقت الذي يرى العالم ويسمع الدعوات التي تنادي إلى سياسات التقشف وخفض الإنفاق الحكومي، إضافة إلى نمو معدلات البطالة، وتباطؤ اقتصادات عالمية وانكماش أخرى، وارتفاع نسبة الدين الحكومي، وتراجع في الناتج المحلي لكثير من الاقتصاديات العالمية.
ولعل القارئ يتساءل ما مستقبل السوق المالية السعودية بين مؤشرات قوة الاقتصاد الوطني وتهديدات الأزمة المالية للاقتصاد العالمي؟
في الحقيقة أنه يمكن وصف مستقبل السوق المالية السعودية بالأمان نظراً لما أكدته مؤشرات قوة ومكانة الاقتصاد السعودي الذي يحتل مكانة ضمن أكبر 20 اقتصاداً عالمياً، وهذا انعكس على أداء السوق المالية وقطاعاتها خلال الفترة الماضية وبدءاً من تاريخ ظهور الأزمة العالمية 2008.
لقد ضربت الأزمة المالية كثيراً من مؤسسات التمويل العالمية، حتى أعلنت بعض المؤسسات المالية إفلاسها، إلا أن قطاع المصارف السعودية ظل متماسكاً، بل محافظاً على نموه، يؤكد ذلك أكثر من 22 مليار ريال أرباحاً سنوية حققها قطاع المصارف السعودية في السنوات الثلاثة الماضية، بل ونمت أرباح القطاع في الربع الأول من هذا العام بنسبة 39 في المائة مقارنة بالربع المماثل من عام 2011.
ويأتي في مرتبة قطاع المصارف قطاع البتروكيميات الذي قاد تقدم أرباح الشركات في السوق منذ نهاية 2010، وأسهمت شركات البتروكيميات بنسبة 45 في المائة من أرباح السوق في العام الماضي، ومن المتوقع ألا تقل أرباح قطاع البتروكميميات عن 40 في المائة من إجمالي أرباح السوق المالية السعودية في العام الجاري رغم التراجع الذي شهدته أرباح شركات القطاع في الربع الأول من العام الجاري بنسبة 10 في المائة مقارنة بالربع المماثل من 2011 عندما قدمت شركات البتروكيميات عشرة مليارات ريال. ومن مؤشرات الاطمئنان إلى قوة السوق المالية السعودية نمو قطاعات الأسمنت والتطوير العقاري والاستثمار الصناعي والاستثمار المتعدد واستقرار قطاع التشييد والبناء، هذه القطاعات حركت مؤشر السوق نحو الاتجاه الصاعد منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، قبل وبعد إعلان ميزانية الدولة، التي تعد الأضخم في تاريخ المملكة، ووصفت بالميزانية الاستثمارية لاستحواذ الإنفاق الاستثماري على أكثر من 45 في المائة منها. وقد أكدت أرباح القطاعات السابقة الأثر الإيجابي لميزانية الدولة، حيث نمت أرباح قطاع الأسمنت في الربع الأول بنسبة 34.5 في المائة مقارنة بالربع المماثل من 2011، كما نمت أرباح قطاع الاستثمار الصناعي بنسبة 53.3 في المائة، وقطاع التطوير العقاري بنسبة 55.3 في المائة، وقطاع الاستثمار المتعدد بنسبة 17.7 في المائة، وقطاع الأسمنت بنسبة 34.4 في المائة، بينما تراجعت أرباح التشييد والبناء بنسبة 4.4 في المائة فقط.
وفي الساحة التحليلية الفنية لا يزال مؤشر السوق المالية TASI مستقراً فوق نقطة دعم متوسط الـ200 يوم عند مستوى 6900 نقطة ولا يزال محافظاً على مستوى الحاجز النفسي للمتداولين عند 7000 نقطة رغم التراجعات التي تشهدها الأسواق العالمية وعادت فيها إلى نقطة الصفر بعد فقدها المكاسب التي حققتها في 2012 مثل مؤشر فوتسي الإنجليزي الذي يتداول عند مستوى 5300 نقطة ودون مستوى إغلاق 2011 عند 5572 نقطة. وكذلك مؤشر كاك الفرنسي الذي هبط إلى مستوى 3000 نقطة ودون مستوى إغلاق 2011 عند 3159 نقطة.
ولا تزال بقية المؤشرات العالمية في مسارها الهابط، حيث فقد مؤشر داو جونز الأمريكي ما يقارب 6 في المائة، مقارنة بأعلى قمة حقق المؤشر في عام 2012، ويقترب من إغلاق 2011 الذي كان عند 12217 نقطة.
وكذلك مؤشر داكس الألماني الذي أغلق في نهاية 2011 عند مستوى 5898 نقطة، وفقد أكثر من 12 في المائة في موجته الهابطة، بعودته إلى مستوى 6300 نقطة.
وفي تداولات الأسبوع الماضي جاء مؤشر السوق المالية السعودية TASI كأقل الأسواق تراجعاً وبنسبة تراجع 0.5 في المائة فقط، بينما كانت نسبة تراجعه الأسبوعية في الأسبوع ما قبل الماضي 1.7 في المائة من قيمته السوقية، حيث كان الضغط من قطاع المصارف الذي تراجع بنسبة 1 في المائة، وكذلك قطاع البتروكيميات الذي تراجع بنسبة 1.2 في المائة. إذاً المؤشرات والأرقام تؤكد قوة السوق المالية السعودية، وجاذبيتها للاستثمار المحلي والأجنبي، كما تعكس مؤشرات الاقتصاد السعودي المرونة والذكاء في توجيه السياستين المالية والنقدية وحسن إدارتهما للتعامل مع الأزمة العالمية وآثارها، إضافة إلى وجود نظرة مستقبلية ورؤية ثاقبة للتعامل مع ما قد يحدث للمستقبل، وتبقى السوق المالية السعودية في انتظار المستثمر الذي يحسن قراءة تلك المؤشرات ويعي أهميتها.