الانتخابات المصرية تتقدم على عناوين الثورة السورية
تجاوزت أخبار الانتخابات الرئاسية المصرية جميع الأحداث السياسية التي تشهدها المنطقة العربية، فاحتلت صدارة عناوين النشرات الإخبارية متقدمة على أخبار الثورة في سورية.
المتابع للقنوات الإخبارية العربية والعالمية يلحظ تصاعد وتيرة التغطيات الإعلامية لأحداث الانتخابات الرئاسية المصرية خلال الأيام الماضية إبان يومي الاقتراع وإعلان النتائج، حيث تربعت وسيطرت تغطياتها بشكل كامل على الأحداث السياسية العالمية وأخذت عناوينها الصدارة قبل أحداث ثورة سورية، رغم ما حدث من مجازر وأحداث مأساوية على أرض الواقع.
ويعزو مراقبون ذلك لثقل مكانة مصر العربية والإقليمية، حيث إنها تجري أول انتخابات مستقلة في تاريخها بعد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، إضافة إلى المفاجآت التي حملتها الانتخابات الرئاسية، حيث حدث ما لم يكن في حسبان القوى الثورية من تفوق واضح للفريق أحمد شفيق وحصوله على المرتبة الثانية، وهو الذي لم يحبذه شباب الثورة.
حيث رأى المراقبون أن هذين السببين كفيلان بأن يجعلا أخبار الانتخابات تتصدر وتحظى بزخم أكثر من غيرها.
الراصدون لوتيرة الحراك الإعلامي والتغطيات الإخبارية للانتخابات المصرية يلحظون بشكل جلي أنها أخذت في الظهور المكثف بعد المناظرة الرئاسية التي جرت بين المرشحين الرئاسيين عبد المنعم أبو الفتوح وأمين عام الجامعة العربية السابق عمرو موسى، ونقلتها قناة أون تي في بالشراكة مع قناة دريم، وحصدت نسب مشاهدة مرتفعة، وهذا ما يقودنا إلى تسليط الضوء على فن المناظرة التلفزيونية، الذي فقد كثيرا من بريقه أخيرا في القنوات العربية، وعاد إلى الضوء مجددا مع المناظرة الرئاسية المصرية.
فالمناظرة هي نوع مرتب من الحوارات بين شخصيتين تدور حول إثبات الحقيقة والتعرف على وجهات نظر كل شخص ودحض حجج وبراهين الآخر بما يتفق مع وجهات نظره. المناظرة في اللغة مأخوذة من النظير أو من النظر بمعنى الإبصار أو الانتظار، وفي الاصطلاح هي النظر بالبصيرة من الجانبين المعلل والسائل بغرض إظهار الصواب. وعلم المناظرة علم عربي أصيل يختص بدراسة الفعالية التناظرية الحوارية من خلال تقعيد قواعدها المنطقية وشروطها الأخلاقية بقصد تطوير أسلوب المباحثة التي تتم بين طرفين يسعيان إلى إصابة الحق في ميدان من ميادين المعرفة، حيث يواجه كل طرف الطرف الآخر بدعوى يدعيها ويسندها بجملة من الأدلة المناسبة، مواجها في ذلك اعتراضات الخصم.
وتكون المناظرات أو الحوارات الرسمية ذات قواعد محددة تسمح بتوزيع الأوقات وتفاعل المتحاورين وتفاعل الجمهور أحياناً.
وحول تفاصيل المناظرة الرئاسية التي شهدتها مصر للمرة الأولى في تاريخها، واجه الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى المرشح الإسلامي والقيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين عبد المنعم أبو الفتوح، حيث اتخذ الحوار طابعا حادا في بعض الأحيان، وقد اتهم موسى أبا الفتوح بأنه عمل لمصلحة الإخوان وليس لمصلحة مصر كأمة. في المقابل، ركز أبو الفتوح مرارا على الصلات بين موسى ونظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، معتبرا أنه غير قادر على تقديم حل ما دام جزءا من المشكلة.
وقال المتناظران: إنهما سيعملان على قيام نظام سياسي ديمقراطي، لكن كلا منهما حاول الطعن في الآخر في شؤون دينية وسياسية.
وسأل موسى أبا الفتوح: "قلت إن من حق المسلم أن يتحول إلى المسيحية، فهل ما زال هذا تفكيرك"؟ وأجاب أبو الفتوح بأنه لم يقل ذلك، بل تحدث عن آراء فقهاء قالوا إن المرتد عن الإسلام يستتاب لفترة طويلة من الوقت، حتى قال البعض إنها يمكن أن تكون إلى نهاية عمره. وأضاف قائلا: "أؤكد بكل وضوح أنه لا يجوز أن ندغدغ عواطف الناس بالشعارات الدينية أو حتى الوطنية".
ومن الممكن ألا تعجب إجابة أبي الفتوح سلفيين قالوا إنهم يؤيدون انتخابه، كما أن إجابته يمكن ألا تعجب مسيحيين أيدوه لاعتراض المسيحيين على حق التحول من المسيحية إلى الإسلام دون العكس.
في المقابل، سأل أبو الفتوح موسى عن قوله قبل الثورة "إنه يؤيد انتخاب مبارك لفترة رئاسة جديدة"، فقال إنه "أيد إعادة انتخاب الرئيس السابق في وقت كان مطروحا فيه توريث الحكم لابنه جمال، يعني كنا سنبقى 30 عاما إضافية تحت حكم استبدادي". وأضاف: إن "مبارك الذي أيدت إعادة انتخابه لم يكن ليبقى طويلا في الحكم".
وهنا يتساءل المراقبون حول هذه المناظرة التي سميت مناظرة رئاسية، بينما كشفت وقائع المجريات الانتخابية أن الجهات الإعلامية التي تقف خلفها لم تقرأ واقع العمق الشعبي للمرشحين الاثنين، حيث لم يحز أي منهما المراكز الثلاثة الأولى، بل حل في المقدمة محمد مرسي والفريق أحمد شفيق وثالثا حمدين صباحي، بينما المرشحان المشاركان في المناظرة حلا رابعا وخامسا!