مشكلات السكن في المملكة لا تحل بالعصا السحرية
عنوان شهيرٌ، أشهر من نار على علم، وحلمٌ جميل في الوقت نفسه، يندرج تحته مستقبل آمن، وطموحات بلا حد، وسقف هائل من الأمنيات والذكريات، وهو بعد ذلك كله الشغل الشاغل، والهم الماثل، والخير الهائل لو تحقق، لذلك تجده حاضراً في هموم الملك حفظه الله، وطموحاً في إعزاز أبنائه ورفعتهم ورفاهيتهم.
ولأن الحلم على قدر الحالم، فالسعودي عندما كان يحلم ببيت، كان يراه أولاً داراً عامرة، لا شقة ضامرة، كان يبتسم وهو يشاهد الدراما العربية التي تعرض قتال الناس على ''كرفان''!، لكنه اليوم ــــ في رحم المعاناة، وهموم الإيجار ـــ راضٍ بكل شيء، قانعٌ بنصيبه، مؤمن بقدره، متأمل فرجاً قريباً.
لقد كنت أحاول أن أسهم في طرح بعض الحلول لمشكلة الإسكان في المملكة، ولكن غياب المعلومة كان حاجزاً لي، فقمت بجهد شخصي متواضع يقيس مستوى دخل المواطن مع المؤهل العلمي، ووزعت استبانة من خلال القنوات الإلكترونية مثل مواقع التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني وطرحت فيها أسئلة عدة، هي:
ما مستوى تعليمك؟ 56 في المائة من المشاركين جامعي، و10 في المائة دراسات عليا، و23 في المائة دبلوم ما بعد الثانوية، و9 في المائة دون الثانوية.
السؤال الثاني: كم عمرك؟ وكانت الإجابات كالآتي: 37 في المائة بعمر 26 ــــ 31، 26.5 في المائة كان أقل من عمر 25 سنة، و26 في المائة من عمر 32 ـــ 41 سنة، و9 في المائة من عمر 42 ــــ 55 سنة، 1.5 في المائة عمر أكثر من 55 سنة.
والسؤال الخاص بالدخل كانت الإجابات كالآتي: 30 في المائة من المشاركين دخلهم ما بين خمسة آلاف إلى عشرة آلاف ريال شهرياً، و26 في المائة أقل من ثلاثة آلاف ريال شهرياً، و15.5 في المائة ما بين 10 إلى 15 ألف ريال شهرياً، و15 في المائة فوق 15 ألف ريال شهرياً، و13 في المائة ما بين ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف ريال شهرياً.
أما ما يخص السكن فكانت الإجابات كالآتي: 46 في المائة نوع السكن إيجار، 37 في المائة السكن مع الأهل، 16 في المائة السكن ملك.
فيما يخص قيمة الإيجار السنوي كانت الإجابات كالآتي: 43 في المائة قيمة الإيجار السنوي ما بين 21 ألفا إلى 30 ألف ريال، و32 في المائة أقل من 20 ألفا في السنة، وما يقارب 10 في المائة من المشاركين قيمة إيجاراتهم تجاوزت 36 ألف ريال في السنة.
كانت الشريحة المشاركة في الاستبانة ما يقارب 3570 شخصا، وقد تكون آلية التوزيع حرمتنا شريحة كبيرة من المجتمع، لكن قد تعطينا مؤشراً يمكننا القياس عليه مع غياب المعلومة من المصدر الرئيس.
لو قمنا بتحليل هذه المعلومات بصورة إجمالية نجد أن 66 في المائة من المشاركين لديهم شهادة جامعية فما فوق، وقد تمثل هذه الشريحة متوسطي الدخل في المملكة، ودخل 69 في المائة منهم أقل من عشرة آلاف ريال شهرياً و83 في المائة لا يملكون مسكناً، وهم بين أن يكونوا مقيمين مع ذويهم، أو مستأجرين، وهؤلاء نسبتهم 84 في المائة، منهم يدفعون ما بين 20 ألفا إلى 35 ألف ريال سنويا.
لو أخذنا على سبيل المثال أحد الأرقام أعلاه، أن موظفاً جامعياً دخله ثمانية آلاف ريال شهرياً ويدفع إيجاراً في المتوسط 28 ألف ريال سنوياً بما يعادل 2333 ريالا شهرياً تقريباً، وفي أقل الاحتمالات تبلغ النفقات الشهرية للبيت ألف ريال، وفواتير الكهرباء والماء والهاتف بنوعيه الثابت والجوال 500 ريال تقريباً، ولنفترض أن لديه قسط سيارة بين 1000 إلى 1200 ريال في أقل تقدير، فسيكون إجمالي المصروفات الأساسية خمسة آلاف ريال، وهذا يعني أن المتبقي من الراتب ثلاثة آلاف ريال، ولو أخذنا ألف ريال للحالات الطارئة، فسيتبقى لدينا فقط ألفي ريال.
ولو قسنا ما تبقى من النفقات السابقة مع أسعار الوحدات السكنية المتوافرة اليوم في السوق العقارية، والتي يبلغ أقلها من الشقق بين 450 ـــ 700 ألف وربما المليون ريال، فسنصل إلى نتائج مثبطة.
لو افترضنا أن هذا الشاب يحلم بامتلاك شقة بقيمة 500 ألف ريال، فإن الأغلب من راتبه الشهري يذهب إلى تمويل من البنك، وأقل فائدة ممكن أن تحصل عليها 3 على 10 سنوات أي 30 في المائة على المبلغ الإجمالي ويصبح الدين الإجمالي 650 ألف ريال للموظف الحكومي، وإذا كان موظف قطاع خاص ارتفعت النسبة إلى 4 في المائة على أقل تقدير، فيصبح الدين الإجمالي 700 ألف ريال، أي يجب أن يدفع 5833 ريالا شهرياً، وهذا لا يتوافق مع دخل هذا المواطن، ويؤكد أنه لا ينفع لحل مشكلة الإسكان حل واحد لجميع مناطق المملكة وجميع فئات المجتمع.
إذن ما الذي نريده؟ نريد أن تكون لدينا وحدات سكنية تتسع لعائلة من 2 إلى 4 أشخاص، ولا تتجاوز قيمتها 200 إلى 250 ألف ريال، ونريد وحدات أخرى أكبر، وأن هذا الحل المنشود، والأمل المرصود، لا يعني استعجال النصيب بعصا سحرية على طريقة ما يعرف في الغرب بالحل السحري ''فري سايز'' لجميع المشاكل، لذلك، قمت بعمل الاستبانة أعلاه لمعرفة مستوى دخل الفرد، داعياً ''التأمينات الاجتماعية'' لأن تقوم بدورها بأن تكون أفضل مصدر للمعلومة فيما يخص دخل الفرد في المملكة من خلال نشر بياناتها في الصحف أو حتى على موقعها الرسمي حتى يسهم الجميع في إيجاد حلول مشكلات غلاء المعيشة بصورة عامة، من دون أن تبقى الحلول مقتصرة على الجهات الحكومية.
إن أرض المملكة المحروسة تضم بين أرجائها محبين لهم القدرة على تقديم مشروع متكامل يسهم في حل هذه المشكلة من دون أن يكلف الدولة أي نفقات مادية، ناهيك عن أنه يمكن تقديم دراسات شفافة تستطيع تسليط الضوء على حقيقة الخلل، ومكامنه، وإمكانات علاجه، لكن أين نحن منها، ومن تشجيعها والدعوة لها؟
سنستعرض في مقال قادم المزيد من الحلول المنطقية والواقعية التي تعتمد خفض تكلفة الوحدات السكنية على المواطن، وبالتالي أضع لبنة مع الخيرين في سبيل تحقيق حلمه الأزلي.