عودة مرة أخرى لساعات العمل

كلما قرأت أو كتبت أو استمعت للحديث عن أهمية دعم توفير فرص عمل للمواطنين قفز إلى ذهني موضوع ساعات العمل وعدم ملاءمتها لظروف العامل السعودي، وأنها، أي ساعات العمل الحالية في المحال التجارية، أحد الأسباب الرئيسة الطاردة لاستقطاب المواطن السعودي بسبب أنها تتطلب من الرجل أو المرأة العمل يوميا من الساعة التاسعة صباحا حتى بعد منتصف الليل، وبهذا فإننا لا نترك وقتا لأي منهما للاهتمام بأسرته وبيته وأهله ومصالحه الخاصة، ولهذا فإن إعادة النظر في ساعات العمل ستساعد على إيجاد فرص عمل حقيقية للمواطن والمواطنة السعوديين، وفي الوقت نفسه تحقق الكثير من الفوائد الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والبيئية.
إن تعديل نظام وساعات العمل، خصوصا في المحال التجارية، وجعل ساعات العمل من الساعة التاسعة صباحا إلى السادسة مساء، أو على أسوأ تقدير الساعة التاسعة مساء، سيعطي وقتا للجميع لتنظيم أوقاتهم وأعمالهم ومسؤولياتهم، وكلمة الجميع تعني كل مستخدمي المدينة والمسؤولين عن إدارتها وصيانتها ونظافتها وأمنها، فإذا نظمنا وقت إغلاق المحال التجارية وأبقينا الضرورية منها مثل الصيدليات ومحطات البنزين وغيرها من الضروريات فإننا نعطي للعاملين الوقت للعودة لمنازلهم وأسرهم ومصالحهم ونعطي الفرصة للبلديات للقيام بأعمال الصيانة والنظافة وكذلك نعطي الأجهزة الأمنية الفرصة للراحة بدلا من الاستنفار ليلا نهارا.
إن تحقيق التنمية السليمة يتطلب الاهتمام بأدق التفاصيل، وهذه التفاصيل تشمل كل أنظمة وأدوات إدارة المدينة، الإدارة التي تعني التنظيم والترتيب وتحديد الأولويات وتعزيز فرص المشاركة من جميع أبناء المدينة والحرص على إيجاد فرص العمل لهم ضمن إطار منظم يضمن لهم تحقيق التوازن بين متطلبات العمل والمنزل دون الإخلال بحق أي منهما، ولعل تجارب العديد من دول العالم خير مثال يمكن تقديمه في مثل هذا المقترح، فكما نعرف جميعا أن أكبر مدن العالم وأكثرها تحضرا لا تعمل محالها التجارية بعد الساعة السادسة مساء إلا في ظروف استثنائية وبتنظيم دقيق يضمن حقوق العاملين بعد ذلك الوقت.
كما أن تلك المدن من نيويورك إلى لندن وباريس وبكين وطوكيو وغيرها من مدن العالم المتحضر لا تجد من يعمل أو حتى يتحرك فيها بعد الساعة التاسعة مساء إلا القليل فكل سكان تلك المدن الكبيرة والعريقة يخلدون للراحة والنوم بعد التاسعة مساء وتبدأ حركة الصيانة والنظافة بعد ذلك الوقت، ما يتيح لها الفرصة للقيام بأعمالها دون ضغط سيارات أو مشاة أو إرباك لحركة المرور.
إذا أردنا أن نحقق العديد من أهدافنا الوطنية وعلى رأسها إيجاد فرص العمل للمواطنين وتقديم أفضل الخدمات لهم، فإن تعديل ساعات العمل يعتبر مطلبا أساسيا وركنا من أركان تحقيق ذلك، ولعل خير دليل على ذلك القيام بدراسة إحصائية ميدانية لاستطلاع آراء المواطنين عن أسباب عزوفهم عن العمل في المحال التجارية وأغلبية الشركات الخاصة، وأنا متأكد أن أحد أهم تلك الأسباب هو نظام الدوام في تلك القطاعات وأنها لا تتناسب مع ظروف ومتطلبات المواطنين المرتبطين بأسرهم ومجتمعهم والدراسات التي أعدت في هذا الشأن في العديد من دول العالم أكدت أهمية ضبط ساعات العمل وعدم السماح بالعمل إلى ساعات متأخرة من الليل لما له من تأثير سلبي في العطاء والإنجاز والترابط الأسري.
إن تعديل ساعات العمل وانضباط الساعة البيولوجية للجسم وفقا لما خلقنا الله - سبحانه وتعالى - من أجله وجعل الليل للنوم والنهار للمعاش، هو الأمر الطبيعي والفطرة السليمة ''وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا''، وهو ما يجب العمل على تعديله حتى نبني لبنة في إصلاح الخلل الذي تعايشنا معه حقبة زمنية ليست بالقصيرة، وإذا احتج البعض بطبيعة الجو وأن الليل أبرد فأذكرهم بأن أجدادنا عاشوا في ظروف أسوأ ولم يكن لديهم ما لدينا من وسائل الراحة ومع ذلك جعلوا النهار للعمل والليل للنوم.
إن الانتقال بالمجتمع إلى مصاف الدول المتقدمة يتطلب إصلاح الكثير من السلوكيات السلبية، على رأسها جعل الليل كله عملا وحركة، وعدم منح الجسم الراحة الطبيعية التي تعينه على القيام بواجباته، وكذلك عدم منح الأجهزة المعنية بإدارة المدينة وصيانتها الفرصة للقيام بواجباتها لصعوبة العمل، فالطرق والشوارع مزدحمة بالحركة، كما أن تعديل ساعات العمل سيساعد على توفير فرص العمل للمواطنين السعوديين ويحقق لهم فرصة العمل وفرصة الترابط الأسري والمجتمعي ويعزز الانتماء الوطني، كما أنه يحقق الكثير من المتطلبات التنموية التي نحن في غفلة عنها.
وإن شاء الله القادم من المقالات يوضح العديد من الفوائد التي يمكن تحقيقها بتعديل ساعات العمل. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي