العمل بين الدعم والنقد
النظرة المتفائلة دائماً تنظر بشكل إيجابي لكل عمل، هذه النظرة المتفائلة الإيجابية تدفع بالعمل مهما صغر إلى مراحل من الإنجاز والتطوير والاستدامة وتخالفها النظرة السلبية الناقدة فإنها تدفع بالعمل مهما كبر وعظم إلى الاضمحلال والضمور ثم الموت، وكلتا النظرتين وما تحملانه من إيجابية وسلبية تتطلب التدقيق والتمحيص حتى تحقق التنمية والعمل الإيجابي رسالتها التي نحرص جميعاً على تحقيقها.
لقد تأملت كثيراً في العلاقة العكسية بين النظرتين الإيجابية والسلبية وأثرهما في أي عمل وعامل، وكيف أننا نستطيع بنظرة إيجابية متفائلة أن نحقق من الإنجاز والتطوير ما لا نستطيع أن نحققه من النظرة السلبية المتشائمة، التي - كما ذكرت - تقتل كل إنجاز أو حتى رغبة في الإنجاز.
لقد تحدثت وعملت مع أعداد كبيرة من العاملين في مختلف القطاعات الحكومية والخاصة والأهلية والأكاديمية والإعلامية ووصلت إلى أن النظرة المتفائلة الإيجابية لكل عمل مهما صغر تساعده على التطوير والإنجاز والنمو بحيث يصبح عملا متميزا عملاقا، وأن أغلبية - إن لم يكن كل من تعاملت معهم وتحدثت إليهم مهما كانت مواقفهم إيجابية أو سلبية - تسعدهم الكلمة الطيبة والثناء على العمل الذي يقومون به.
لقد تحدثت مع أحد الإخوة ممن يمتهن ثقافة النقد واللوم للجميع على سوء أعمالهم ولم يخل عمله يوما من الأيام من نقد وإيضاح لسلبيات وأخطاء الآخرين، ويخرج كل يوم بنقد لجهود الآخرين دون قدرته على رؤية إيجابياتهم الأخرى التي تفوق سلبياتهم بآلاف المرات، وكل مرة يقدم هذا النقد الجارح لأعمال وجهود الآخرين يتطلع إلى المستمعين والمتلقين له إلى مزيد من الثناء والشكر على نقده وتجريحه للآخرين، ويعيش من خلال هذا الثناء والشكر حالة من الزهو والفخر لليوم الآخر الذي يقدم فيه طبقا جديدا من النقد واللوم لجهود الآخرين وينتظر كل يوم مزيدا من الثناء والشكر على جهوده السلبية التي يقدمها للجميع، وسألته في يوم صحو وقلت له إنك تؤدي عملك النقدي للحصول على مزيد من الشكر والثناء، وهذا الشكر والثناء هو ما يدفعك للتميز وتقديم مزيد من العطاء النقدي، ولولا هذا الشكر للنقد لما استطعت أن تقدم مزيدا من النقد والسلبية في الطرح، قال وبشكل مباشر: نعم، فقلت له: إذاً أنت حققت نجاح شخص واحد لك في مقابل الإساءة لجهود الآلاف من البشر، وأدى نجاحك إلى إحباطهم ونقدك إلى عدم قدرتهم على العطاء وجعلت من نقدك لجهودهم فرصة للنظرة السلبية من الجميع لجهودهم، وأنت وفقاً لهذه المعادلة عظمت الأثر السلبي للعطاء وربما شاركت في قتله ودفعت بعديد ممن يتوخى فيهم الصلاح للابتعاد عن العمل في الشأن العام بكثرة نقدك ونظرتك السلبية لجهودهم، ما دفعهم للانسحاب وعدم العمل الجاد، نظراً لإحساسهم بأن جهودهم غير مقدرة.
لقد تركت صاحبي يحاور نفسه ويسألها: ماذا لو كنت أكثر إيجابية وحاولت إبراز الجهود الإيجابية للعاملين في مختلف القطاعات وجعلت من هذا الإبراز للجهود الوسيلة المثلى لتطوير العمل ومحاسبة الذات ودفعها لمزيد من العطاء والتميز، وعدلت معادلة الطرح بدل النقد الهادم لكل جهود بالتحول إلى الطرح والنقد الإيجابي البناء؟
إن النظرة المتفائلة الإيجابية والنقد البناء المتعقل هو ما نحتاج إليه خلال المرحلة القادمة، وأن نخرج عن نهج وطريقة صاحبي الذي كان يحرص على النقد واللوم والتجريح لكل عمل على أساس أن هذه هي الطريقة الصحيحة لإصلاح الخلل وتطوير الأداء، التي لم يحقق من خلالها وخلال عقدين من الزمن إلا مزيدا من الهدم والتدمير والإقصاء لكل جهد مبارك، وإن كان قد حقق بكل أمانة تجاوب بعض الداعمين له والمؤيدين له وهم ليسوا بقليل، لكنهم غثاء كغثاء السيل ممن يلعنون الظلام ولم يستطيعوا أن يشعلوا شمعة لإنارة الطريق والعمل من خلال روح الفريق الواحد القادر على التطوير والبناء السليم الدائم والمستمر.
إن تعديل نظرتنا النقدية المتشائمة بنظرة نقدية متفائلة تدعم وتدعو للعمل الإيجابي وتبرز الجهود المباركة التي يقوم بها كل عامل وفي كل قطاع وتجعل من ذكر جهود ومحاسن الآخرين الطريق نحو الإصلاح والتطوير، يعزز من الانتماء لهذا الوطن ويظهر الوجه الإيجابي لجهوده ويقوي من ترابط وتواصل وتعاون وعمل أبنائه من أجله تحقيقاً لوطن سعودي الانتماء عربي اللسان إسلامي المعتقد وعالمي الطموح، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
وقفة تأمل :
''ألا لا أُرِي الأحداثَ مَدحاً ولا ذَمّا
فَما بَطشُها جَهلاً ولا كفُّها حِلمَا
إلى مثلِ ما كانَ الفتى مرْجعُ الفتى
يَعُودُ كمَا أُبْدَي ويُكرِي كما أرْمَى
لَكِ الله مِنْ مَفْجُوعَةٍ بحَبيبِها
قَتيلَةِ شَوْقٍ غَيرِ مُلحِقِها وَصْمَا
أحِنّ إلى الكأسِ التي شرِبَتْ بها
وأهوى لمَثواها التّرابَ وما ضَمّا
بَكَيْتُ عَلَيها خِيفَةً في حَياتِها
وذاقَ كِلانا ثُكلَ صاحِبِهِ قِدْمَا.''