المتبرعون الجدد
أولئك الذين يحرصون على إخفاء صدقاتهم وعدم الكشف عن هويتهم أثناء التبرع للمنظمات الخيرية سيستمرون ولا شك، ولكن جيلاً من المتبرعين يزداد انتشاراً ينظرون إلى عملية التبرع من زاوية مختلفة عن تلك الزاوية التي ينظر منها الأخفياء. الأخفياء قد يرون في سؤالهم عن مصير تبرعاتهم وكيفية تعامل المنظمة الخيرية معها مدخلاً لجرح إخلاصهم، ولذا فهم لا يسألون حتى ولو بلغت صدقاتهم مئات الآلاف، وتنتهي مهمة هؤلاء عادة باستلام المنظمة الخيرية صدقاتهم.
بينما الجيل الجديد يرى أن مهمتهم تبدأ قبل وأثناء وبعد أن تستلم المنظمة الخيرية تبرعاتهم وهم حريصون على معرفة كفاءة المنظمة الخيرية وقدرتها على ترجمة رغباتهم الخيرية إلى مشاريع وبرامج ذات أثر وقيمة.
هذا الصنف بعكس الصنف الأول لا تحركه العواطف فقط عند التعامل مع المشاريع الخيرية التي تتطلب دعماً، بل إضافة إلى العواطف يعطي المتبرعون الجدد مزيدا من المنطق والعقل عند اتخاذ قرار التبرع، لذا فإن لغة الاستعطاف التي قد يستعملها جامع التبرعات لا تؤثر كثيرا فيهم بقدر ما تؤثر عوامل أخرى مثل كفاءة المنظمة وشفافية القائمين عليها وطبيعة التأثير المرجو من برامجها.
إنهم بهذا الأسلوب أقرب إلى المستثمر منه إلى الداعم أو المتصدق الذي يرى في المنظمة الخيرية شريكاً أو وكيلاً عنهم ووسيلة لتحقيق أهدافهم في الحياة الدنيا وغاياتهم في الحياة الآخرة.
المؤسسات الخيرية المانحة، وشباب الأعمال والمتخصصون وغيرهم أمثلة محتملة لنوع المتبرع المستثمر وهم وإن بدا أنهم أبطأ في الاقتناع وأحوج إلى التفاصيل، إلا أنهم أقرب إلى الالتزام وأكثر سخاء لدعم المنظمة إذا أثبتت تجاربهم أن المنظمة الخيرية التي تعاملوا معها هي الشريك الأنسب لاستثماراتهم الخيرية.
ماذا يعني هذا بالنسبة للمنظمات الخيرية؟
لا شك أن انتشار ظاهرة المتبرع المستثمر تحمل في طياتها تحديات كثيرة وتتطلب تغييرات عديدة تطول أجزاء كثيرة في المنظمة الخيرية وآلية عملها ابتداء من تصميم المنتجات التسويقية، وصياغة المواد الإعلامية مروراً بإثبات جودة البناء المؤسسي واحترافية الإدارة وشفافيتها المالية وانتهاء بشخصية قادة المنظمة وجامعي التبرعات لها ومدى إيمانهم برسالة المنظمة ومهنيتهم في أداء أعمالهم. وقبل ذلك وبعده هو أن يقتنع قادة المنظمة الخيرية والعاملون فيها بأن المتبرعين هم فعلاً مستثمرون يبحثون عن شريك.