وزارة التعليم العالي وتصحيح المسار
لا يمكن أن يشعر الإنسان بالقشعريرة والإحباط الانفعالي إلا عندما يلامس العبث والفساد المؤسسة التعليمية ويتحول التعليم إلى سلعة تجارية رديئة ومغشوشة وإلى تجارة لا تعرف إلا الربح الهابط الدني، وتكون تلك التجارة أكثر خطورة عندما تلامس صحة الإنسان ومستقبله الصحي وتؤثر في الاستثمار الإنساني البشري الحقيقي، خصوصا في مجال الطب وبالذات الطب البشري، الذي حققت فيه الكفاءة السعودية إنجازات تذكر وتشكر، هذا البناء الإنساني الذي أعطى الكفاءة الطبية السعودية التقدير والثناء من الجميع، حتى إن جدتي التي كانت تخاف أن يعالجها الطبيب السعودي أصبحت تشترط أن يكون طبيبها اليوم سعوديا، نظرا لما حققه الطبيب السعودي من تفوق أمام أقرانه من الجنسيات الأخرى.
إن الاهتمام بالتعليم في كل مستوياته وتخصصاته أمر في غاية الأهمية، لأنه الاستثمار الحقيقي لتقدم الدول وتفوقها، ولكن موضوعي لهذا اليوم هو الإجراء الذي اتخذته وزارة التعليم العالي والنابع من الإحساس بالمسؤولية الوظيفية والاجتماعية والإنسانية عندما اتخذت خطوة مهمة وجريئة في إيقاف إحدى الكليات، التي تضخ مئات الطلاب، الذين يدرسون في مجال الطب، ولكن للأسف الشديد دراسة تنطلق من نظام دكاكين التدريب كما أسميتها في مقال سابق، هذه الدراسة التي تخرج أطباء لا يفقهون في أساسيات الطب إلا ما ندر ويؤثرون وبشكل مؤلم ومخز على ما حققه تعليم الطب في المملكة من إنجاز.
إن هذا الموقف القوي والصارم والأمين من وزير التعليم العالي ومسؤولي الوزارة مع ما يحمله من مسؤولية اجتماعية وما يعقبه من حملة أو حملات إعلامية أو غيرها معارضة أو تحاول أن تسيء للقرار والموقف الصلب الذي اتخذته الوزارة انطلاقا من إحساس المسؤولين بها بأهمية الوقوف في وجه الفساد عندما يلامس العظم، كما نقول، مع حرصهم على عدم الإضرار بمستقبل الطلاب والطالبات بتلك الكليات الطبية من خلال إيقاف مثل هذه التصرفات التجارية الرخيصة والمؤثرة في مستقبل شباب المملكة وإنسانها وسمعتها في مجال من أهم المجالات، التي حققت فيه المملكة إنجازات عالمية مشهودة.
إن الموقف المشرف، الذي وقفه مسؤولو الوزارة لمنع مثل هذه التجاوزات التعليمية التي تتحمل الوزارة فيها مسؤولية الموافقة على إنشاء الجامعة أو الكلية وعلى متابعة الأداء وضمان الجودة والمحاسبة والمعاقبة عندما لا يتحقق الأداء والجودة العالية دون الالتفات إلى ما يمكن أن يتعرض له مسؤولو الوزارة من إيذاء أو المهاجمة الشخصية أو الإعلامية، كما حدث ويحدث مع بعض المواقف، التي يتخذها بعض المسؤولين، انطلاقا من الإحساس بالمسؤولية العملية والأمانة الوطنية والدينية، ولهذا فإنه يحسب للوزارة مثل هذا الموقف وعدم المجاملة أو الخوف من ردة الفعل وهو ما نأمل أن نراه من الوزارة في الحالات المشابهة، وكذلك كل الجهات الأخرى حتى نحقق الرقابة الإيجابية والمحاربة الصادقة والقوية للفساد وألا نترك الأمر في أروقة الإدارات الرقابية الأخرى، ونسمح للفجوة بالاتساع مما يعوق إصلاحها في المستقبل ويصبح الخلل جزءا من الثقافة العملية والاجتماعية للمجتمع ومؤسساته المعنية.
إن مسؤوليتنا وموقفنا كمسؤولين وإعلاميين وكتاب للرأي ومجتمع هو الإشادة ودعم مثل هذه الإجراءات والخطوات المباركة للوزارة وغيرها من الجهات الأخرى حتى نقدم النموذج الإيجابي لحسن العمل ونقدر لمن يعمل جهده وعطاءه وأن نقول للجميع، كما أننا نستطيع النقد ونرى السلبيات، فإننا أيضا نرى الإيجابيات ونبرزها ونقدرها ونعمل على حماية مجتمعنا ومؤسساته من الآثار السلبية لمثل هذه التصرفات، ولعلنا جميعا نذكر كيف أن مشكلة معاهد التدريب الصحية التجارية، التي وضعت الجميع مجتمعا ومؤسسات أمام قضية إنسانية من خلال وجود أكثر من 28 ألف خريج من تلك المعاهد لا يملكون أبسط القدرات لأعمال التمريض أو غيرها من التخصصات الصحية المساعدة وكيف أن الأجهزة المعنية عملت على توظيفهم دون أي اعتبار لتدريبهم، وهذا التصرف ينعكس بشكل سلبي على الخدمات الصحية في مختلف مؤسساتنا الطبية العامة والخاصة، ولهذا فإن مثل عمل مسؤولي وزارة التعليم العالي وتحملهم لمسؤوليتهم في إيقاف مثل هذه الجامعات أو الكليات التجارية الرخيصة وعدم السماح لها بتخريج أشباه الأطباء هو تصرف يجب أن يقدم نموذجا للمسؤول الواعي المدرك لمسؤوليته.
وأخيرا، فإنني في شوق كبير لمزيد من الخطوات المشابهة من وزارة التعليم العالي أو غيرها من الجهات الحكومية أو الخاصة أو الأكاديمية أو الإعلامية وحتى مؤسسات المجتمع المدني حتى نضمن قوة في حق لجميع قطاعات الدولة وبما يحقق لنا التقدم بين الأمم.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وأسأل الله أن يتقبل من الجميع صيامهم وقيامهم وصلاتهم ودعاءهم وسائر أعمالهم الصالحة وكل عام وأنتم بخير بمناسبة هذا الشهر الفضيل.