لماذا لن نفهم سوق الأسهم؟
مما لا شك فيه أن سوق الأسهم عادة تعتبر من أهم الأسواق في أي اقتصاد، نظراً لعدد من الأسباب، من أهمها أنها تعكس واقع القطاع الخاص، وهو في الغالب في الدول المتقدمة القطاع الذي يقود النمو الاقتصادي، وهو المحرّك الرئيس للناتج الإجمالي، وهو الذي يخلق الفرص الوظيفية، وما إلى ذلك من دور محوري للتنمية. ولذا فاستشراف أو تتبع مسيرة السوق من خلال أداء مكوناتها أو جزء واقعي ممثل لمكوناتها الحقيقية من خلال المؤشر للسوق، هو ما درج عليه كل مَن أراد التعرُّف على مسيرة ذلك الاقتصاد برمته. وهذا ما نراه من واقع ربط أداء السوق (مؤشرات السوق) بعدد من المؤشرات المختلفة والخاصّة بالاقتصاد بشكل عام أو ربما لصناعة محدّدة أو حتى سلعة معينة، في محاولة لفهم سلوك السوق وتعاطيه مع المتغيّر الآخر. فمثلاً يُربط أداء سوق الأسهم بمعدلات التضخم أو البطالة أو حجم الشركات المكونة لصناعة ما أو حتى سعر بعض السلع كالذهب أو البترول وهكذا. وكل ذلك يهدف إلى معرفة تعاطي التأثير أو التأثر بين المتغيَّرين (السوق كممثل للاقتصاد ككل والجانب الآخر المقرون به أداء سوق الأسهم).
وبطبيعة الحال يوجد كم هائل من الإحصاءات في الدول المتقدمة، على وجه الخصوص، ومؤشرات تقريبية لكل نشاط أو فرع نشاط في الاقتصاد حتى يصل بك الحال إلى المبالغة في الاعتقاد بأن لديهم مقاييس أو معايير تقريبية لقياس كل شيء ينتجه الإنسان في الاقتصاد في فترة زمنية محدّدة. وهذا ما يجعل ربط الأداء بين أوجه أنشطة الاقتصاد وإيجاد تفسير لها واستشراف مستقبلها أقرب إلى الواقع منه إلى العشوائية والتنجيم، وذلك لوجود مثل هذه المعلومات التي تتباين ببساطة نمذجتها إلى التعقيد الإحصائي والرياضي المتقدم علميّاً.
أما نحن محليّاً فالحال أولى لأن نكون أقل فهماً لسوق أسهمنا، لأسباب عدة من أعلى مراتبها عدم وجود المؤشرات الكافية أو حتى المقاييس التقريبية عن كثير من الأنشطة في الاقتصاد، وذلك بشكل متاح وميسّر للراغبين في معرفتها. وإن وجد بعضها فهي ليست بالكافية أو حتى الوصول إليها ليس بالسهل ولربما يحتاج الباحث إلى جمعها بنفسه كمعلومات أولية، بل حتى هو مَن يقوم على حسابها. إن ما لدينا من مؤشرات تنشر بين الحين والآخر لا تتعدى النمطية المعروفة التي لا ترقى إلى التفصيل الذي يطلع المهتم على حقيقة أمر نشاط ما. ولذا ففي غياب المعلومات الاقتصادية الموثقة والمؤشرات الصحيحة عن تفاصيل مكونات الاقتصاد وأنشطته المختلفة فسنستمر في النظر إلى سوقنا العزيزة كصندوق أسود لن نفهم أين اتجاهاتها إن كان لها اتجاه.