رمضانيات (3)
(1) (صوموا تصحوا) ولا أدري إن كان أغلبنا تتحقق معه المقولة أم أن الوزن يزداد في شهر رمضان دون ضبط ! بعضنا يعتبر الشهر فرصة لتطهير العقل والجسد من تراكمات عام بأكمله ، لكن هناك من يتخذ من الصوم حجّة للنهم ولتناول الطعام طيلة الوقت بدلاً من إعطاء الجسم قسطاً من الراحة والسماح بعمليات إزالة السموم والشوائب المتراكمة. يمكننا الجمع بين الصيام وتناول الطعام الصحي لتحقيق فقدان الوزن وذلك بالسيطرة على كمّ السعرات الحرارية وعدم تفويت وجبة السحور ومراقبة الوزن من أسبوع لآخر . فهل يعي بعضنا ذلك ؟
(2) من الحقائق المفزعة عن شهر الخير والرحمات أنه ثاني أعلى شهر في الإنفاق العام بمنطقة الشرق الأوسط لأن كثيراً من الصائمين يفطرون في المطاعم والكافتيريات ويتجولون في مراكز التسوق لشراء الهدايا أو دعوة الأهل والأصدقاء . يضاف إلى ذلك أن شركات كبيرة مثل شركات الاتصالات، والمواد الاستهلاكية ذات العلامات التجارية الشهيرة تنفق ما يصل الى نصف ميزانيتها السنوية للإعلانات خلال شهر رمضان. إننا مصابون بتلوث في ثقافة الاستهلاك تدعمها الرغبة في البحث بشغف عن كل ما هو متداول في الأسواق بالاعتماد على الوسائط الإعلامية المسموعة والمرئية وتكنولوجيا الاتصال، إلى جانب دراسة شخصية المستهلك. وقد درست شركات الإعلان شخصياتنا وحللت مزاج المستهلك السعودي لدرجة أنها نجحت في جعله مدمنٌ مسرف يحاكي الغير ويرغب في الشراء لمجرد تقليد الآخر حتى لو لم يكن لديه احتياج للسلعة ! ثقافة الاستهلاك الملوثة هي التحدي الأكبر الذي يؤثر سلباً على اقتصادنا ما دمنا معتمدين على استيراد السلع المنتجة من الآخرين ، والإسراف بلا طائل لمجرد المباهاة والتغيير حتى لو كنا نسبح في بحور الدَين إلى أنوفنا ! لك الله يا رمضان و إلى متى يا أمة محمد !؟
(3) "المرء مخبوء تحت طي لسانه" (هكذا يقولون)، لذلك نظل نٌمهل بعض الناس ونستمع لهم أكثر مما نتكلم (إحساناً في الظن) ، فنقع بين (فكي رحى) إما اتهامنا بالصمت والسلبية أو عدم الجدوى (أي وجودنا كعدمه) ، نشعر بحضور هؤلاء كأننا إسفنج لا نشبع من جوع ! ننتظر كلماتهم ونراقب تعابير وجوههم لنحلل المخبوء ونقبض على المشاعر فنحبسها في زنزانة التراكمات علّ وعسى يثبت الزمن جدارتهم بالحوار . يا من حولي ! أهم اللغات التي أتقنها هي اللغة التي أتحدث بها إلى نفسي ، فما الذي سأقوله (عنكم) لنفسي ؟ ومن يتصنع سأخبئه مؤقتاً تحت ملابسي ثم أتركه مشرداً بلا رحمة، ومن يصّدٌق سأضمه كطفلٍ تائه ليلة عيد ... (كلُّ على قدره) ... فأنتبهوا لطيات اللسان .
(4) بدأت العشر الأواخر من شهر الخير ، شهر العتق من النيران ، شهر تكثيف العبادة بكل أفعالها المخلصة ، وهو أفضل وقت لجعل الصلاة أطول وأعمق وأكثر معنى. يمكننا زيادة العلم والأجر بتدبر معاني مانقرأ في صلاة التراويح والتهجد عبر قراءة الترجمة والتفاسير والاجتهاد في تأمل معنى الآيات ثم لننظر كيف تؤثر في حياتنا على المستوى الشخصي. بعدها تؤدى الصلاة بآيات السور التي تدبرناها ، فذلك أثبت وأجدى . وأعتبرها وسيلة جيدة لتنمية عادة التركيز حتى في الصلوات العادية. الهدف دوماً هو الاستمرار في القيام بذلك حتى بعد رمضان، فقليل دائم خيرُ من كثير منقطع ، أعاننا الله على تدبر كتابه وجعله شفيعاً لنا يوم نلقاه.