مؤتمر التضامن الإسلامي والتضامن المجتمعي معه
تعيش المملكة العربية السعودية اليوم في مدينة مكة المكرمة حدثا إسلاميا يعتبر الأهم والأخطر في تاريخ العلاقات الإسلامية، لأنه مؤتمر يأتي في مرحلة تعتبر مرحلة دقيقة وخطيرة، نظرا لما يتعرض له المسلمون من قتل واضطهاد في دولهم الإسلامية والعربية، أو في الدول غير الإسلامية. وخطورة الأمر أنه يولد لثقافة مجتمعية جديدة، وهي الكره والحقد من أبناء المسلمين على أنفسهم ودينهم، وربما - لا قدر الله - تكون مرحلة أخطر، وهي اعتناق بعض أبناء المسلمين ديانات أخرى نظرا لاعتقادهم أن هذا الضغط والاضطهاد والقتل والاغتصاب الذي يتعرض له المسلم والمسلمة نتيجة ضعف القيادات الإسلامية وتشتتها وغياب المصداقية لديها، وأن كامل حرصها وتفانيها في عملها هو فقط من أجل بقائها في الحكم لأطول فترة ممكنة مع امتصاص خير البلاد والعباد دون الالتفات لحقوق المواطنين وحمايتها والعمل على تحقيق الاستقرار والتنمية الشاملة والتي فتئت القيادات العربية والإسلامية على تكرارها واستمرار الوعود بها لشعوبها، هذا الضعف والتمزق والفجوة بين القيادات الإسلامية وشعوبها وما يقابله من اهتمام من القيادات غير الإسلامية بشعوبها، خصوصا غير المسلمين، ربما يكون سببا - كما ذكرت - في اعتناق أبناء الإسلام ممن فقدوا القدرة على معرفة الحقيقة ديانات أخرى، وهو ما نسمع به حاليا في الكثير من الدول الإسلامية، وبين أبناء الشعوب الإسلامية في الدول غير الإسلامية، كما هو الحال في إفريقيا وبعض دول آسيا وأيضا في بعض الدول الإسلامية.
إن مؤتمر التضامن الإسلامي الذي دعا له خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وجعل من مكة المكرمة وأمام بيت الله الحرام مقرا له، ومن ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان زمانا له، تأكيد على أهمية وعظمة المسؤولية وشرف الزمان والمكان ووضع القادة من المسلمين وغير المسلمين أمام تحد وواقع يجب التعامل معه بكل صراحة وجدية وصدق حتى ربما يحدث الله - سبحانه وتعالى - بعد توفيقه النقلة الحضارية لقادة العالم الإسلامي ويدفعهم نحو تحمل مسؤولياتهم أمام شعوبهم ثم أمام شعوب وقيادات العالم أجمع.
إن التحدي الحقيقي لهذا الاجتماع هو توحيد الكلمة والخروج من مأزق التفرق والتشتت والضياع إلى مرحلة التضامن والعمل الجاد المخلص للشعوب الإسلامية مما هي فيه من ضياع وفرقة وقتل وغياب هوية وضعف ارتباط ديني ونظرة ازدراء وكره وحقد من شعوب العالم نتيجة ما يتعرض له الإسلام والمسلمون من اضطهاد وإهانة ودعايات مغرضة أنه دين إرهاب وقتل، وما يعزز ذلك من واقع يعيشه عالمنا الإسلامي اليوم.
إن هذا التحدي في لقاء القيادات الإسلامية واجتماعها في مكة المكرمة وما يحمله من مسؤوليات قال عنها الله - سبحانه وتعالى: ''إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبينا أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا'' الآية.
هذه الأمانة التي كلفنا بها قيادات العالم الإسلامي، ويتحملها معهم بالمسؤولية نفسها مع اختلاف موقع تلك المسؤولية، كل فرد مسلم في مشارق الأرض ومغاربها، لأنها مسؤولية عظيمة كما وصفها الله - سبحانه وتعالى - وتحملها وتحمل أعبائها مسؤولية عظيمة واجبة على كل مسلم ومسلمة بالغ عاقل انطلاقا من قول المصطفى - عليه الصلاة والسلام: ''كلكم راع ومسؤول عن رعيته'' الحديث.
وهذه الرعاية والمسؤولية الشاملة توجب على كل مسلم ومسلمة أن يعمل من أجل تحقيق حلم هذا الاجتماع الذي دعا له خادم الحرمين الشريفين، وذلك بالعمل الجاد المخلص للعودة إلى طريق الحق والصواب والعمل من أجل إظهار هذا الدين كما أراد الله - سبحانه وتعالى - له أن يكون، وأن يعلم كل مسلم ومسلمة أنه سيؤاخذ إذا كان سببا من أسباب الإساءة لهذا الدين مهما صغر أو كبر حجم الإساءة.
إن مسؤولية كل مسلم ومسلمة في كل مشارق الأرض أو مغاربها في الدول الإسلامية أو غير الإسلامية، العمل على دعم حملة ورسالة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في دعوته الصادقة الأمينة نحو التضامن الإسلامي والعمل من أجل تخليص المسلمين مما هم فيه من تمزق وتشرد وهوان، وأن يجعل كل مسلم ومسلمة أمام عينه هذه المسؤولية وأهميتها وعظم تحملها والعمل الجاد من أجل تحقيقها.
وفق الله الجميع لكل ما يحب ويرضى وألا يحرمنا جميعا من قبول العمل الصادق المخلص في العشر الأواخر من رمضان وغيره من الأوقات.