إجازة اليومين.. بين العامل وصاحب العمل

كيف يمكن لبعض المؤسسات والشركات في القطاع الخاص أن تجذب الشباب السعودي إذا كانت تلزمه بالعمل ستة أيام في الأسبوع وأحيانا تشترط عليها الدوام فترتين (صباحية ومسائية)؟
قد تتم الإجابة عن هذا السؤال خلال الحوار الاجتماعي الأول لأطراف الإنتاج الثلاثة في سوق العمل، الذي ينطلق اليوم (الثلاثاء) في الرياض برعاية وزير العمل المهندس عادل فقيه، حيث يسعى هذا النقاش المفتوح إلى صيغة اتفاق حول ساعات وأيام العمل في القطاع الخاص بمشاركة الأطراف المعنية الثلاثة: أصحاب العمل (تمثلهم الغرف التجارية الصناعية) والعمال (تمثلهم اللجنة الوطنية للجان العمالية) والجهة التنفيذية التي تطبق نظام العمل (وزارة العمل).
الجميل في الموضوع هنا أن وزارة العمل مارست نوعا من أنواع الانفتاح والشفافية – أحييها عليه - حين سمحت بالنقاش من خلال الحوار الاجتماعي قبل أن تعمد إلى اتخاذ ''قرار حكومي'' يفرض على أصحاب العمل فجأة ودون مقدمات، أما الأجمل فإن تلك الأفكار التي سيتناولها النقاش حول تحديد ساعات العمل ومنح يومين إجازة أسبوعية للقطاع الخاص، قد تسهم في تحفيز السعوديين على العمل في قطاعات مثل ''التجزئة'' و''الاتصالات والتقنية''، وهما من أقل القطاعات جذبا للشباب السعودي، لوجود عمالة وافدة تهيمن على السوق وتستطيع أن تكدح لساعات طويلة، ما يعوق قدرة السعودي على الانخراط في بيئة العمل هذه، في ظل التزاماته الأسرية والاجتماعية.
أتذكر أن مسؤولا حكوميا كشف قبل أشهر أن شركة إتش بي HP العالمية رفضت إقامة مصنع لها في السعودية بسبب ما وصفه ''ضعف الموارد البشرية''، رغم أنها تحمست في البداية للمشروع، لكنها تراجعت عقب دراسة الجدوى وتقييم للموارد البشرية داخل البلد. بل إن هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات حذرت في تقريرها العام الماضي من النقص الحاد في كفاءات تقنية المعلومات، مشيرة إلى أن ذلك يزيد من تكلفة العمليات التجارية للمؤسسات، ويمثل تحديا أمام المؤسسات الكبرى بسبب عدم توافر الكفاءات التى تتطلبها الحلول التقنية المتطورة، ما يحول دون استثمارها في تقنية المعلومات كما حصل مع ''إتش بي''، مع العلم أن حجم الإنفاق على تقنية المعلومات داخل السعودية سيرتفع من 27 مليار ريال عام 2010م إلى 46 مليار ريال عام 2015، بمعدل نمو سنوى مقداره 11.4 في المائة.

من وجهة نظر العامل
جاء الأمر الملكي الكريم ذو الرقم 121/أ، وتاريخ 02/07/1432هـ، القاضي بالموافقة على الخطة التفصيلية وجدولها الزمني لمعالجة البطالة، وكان من ضمنها التنسيق مع القطاع الخاص للتقيد بما يتضمنه نظام العمل من تحديد ساعات العمل بثماني ساعات يوميا، والنظر في إمكانية جعل أيام العمل الأسبوعي خمسة أيام.
وشخصيا أميل دائما إلى صف الموظف طالما أنه لم يرتكب أيا من ''الموبقات الإدارية''. فالموظف كائن بشري - وليس ماكينة كما يعتقد البعض- عليه أن يحقق التوازن بين الوظيفة والحياة الخاصة والأسرية، وعلينا أن نساعده كي ينجح في تحقيق ذلك التوازن. ولهذا، فإن منح إجازة يومين في الأسبوع لموظفي القطاع الخاص سيعزز استقرارهم نفسيا وأسريا واجتماعيا، بل إن الدراسات العلمية أثبتت أن حصول الموظف على راحة لا تقل عن 48 ساعة - تتوزع بين النوم والترفيه والتواصل الاجتماعي- يزيد من معدل إنتاجيته في الأسبوع التالي للإجازة ويخفض من معدل التعب fatigue الذي يفقده قدرته على الأداء والتركيز وأحيانا إصابته أثناء العمل، بل إن إجازة اليومين تقلص من حالات الغياب المرضي والطارئ.
من جهة أخرى، هناك مزايا إضافية لقرار ''يومي الإجازة'' لموظفي القطاع الخاص، حيث سيسهم في تحفيز قطاع السفر والسياحة داخل السعودية، وتطوير المرافق التجارية والترفيهية لاستيعاب المرتادين الجدد. بل إن القرار سيسهم في تخفيض تكاليف استهلاك الكهرباء في قطاع الأعمال بدلا من الهدر الكبير للطاقة نتيجة العمل لساعات طويلة لم تعد مجدية!

من وجهة نظر أصحاب العمل
يعتقد ''بعض'' أصحاب العمل أنه يمتلك الموظف إذا كان يدفع له راتبا شهريا، وعلى أساس هذه العقلية يتعامل معه على أنه ''ماكينة'' يجب أن تعمل 24 ساعة/سبعة أيام في الأسبوع، ويزداد هذا الاعتقاد في المؤسسات الفردية والشركات العائلية التي يفتقر البعض منها إلى سياسات للموارد البشرية تتماشى مع نظام العمل السعودي.
الغريب أنه ما إن أعلنت وزارة العمل نيتها عقد ''الحوار الاجتماعي'' حتى سارع بعض أصحاب العمل إلى التحذير من الفكرة (تحديد ساعات العمل ومنح يومي الإجازة الأسبوعية) أو حتى رفضها بحجة أن ذلك لو تم سيرفع من تكاليف الإنتاج، وبالتالي يرفع أسعار المنتجات، وكأن أصحاب العمل هؤلاء يبحثون عن ذريعة جديدة يرفعون بموجبها التكاليف وتحميل المواطن ''الفاتورة'' (انتقاما من وزارة العمل!).
إلا أنني أود أن أؤكد لأصحاب العمل أن التكاليف التي يتخوف البعض منها لن تكون عالية بالمستوى الذي يعتقدونه، إذ ربما يتحملون تكاليف إضافية تتعلق بـ: (1) احتمالية زيادة أعداد الموظفين، وهذه زيادة طفيفة قد لا تتجاوز 5 في المائة من العدد الإجمالي لموظفي صاحب العمل. (2) صرف بدل العمل الإضافي (خارج دوام) لمن يعمل خلال يومي الراحة، ومن الممكن وفقما تقتضيه مصلحة العمل توزيع أيام الراحة بين الموظفين، إذ ليس شرطا أن يكون يوما الإجازة الخميس والجمعة لجميع الموظفين.
وفوق ذلك، فإن صاحب العمل هو ''المستفيد'' من العامل (الموظف) إذا كان مرتفع الإنتاجية ومتجدد النشاط بسبب إجازة اليومين، هذا سينعكس على أداء المؤسسة (الخاصة) وقدرتها على تخفيض حالات الغياب المرضي والطارئ بين الموظفين، وبالتالي تدني معدلات إصابات العمل، وتدني تكاليف التأمين الطبي مستقبلا، إضافة إلى أن ذلك كله سينعكس على قدرتها على الحفاظ على الموظفين من التسرب والحد من معدل دوران العمل وتكاليف التوظيف.

أخيرا..
أؤيد شخصيا قرار وزارة العمل إذا ألزمت الشركات بمنح موظفيها يومي إجازة، فهذا القرار لن يقل أهمية عن قرار مؤسسة النقد بإلزام البنوك السعودية بإجازة يومين في الأسبوع لموظفيها. انظروا كيف كان حال بنوكنا قبل وبعد!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي