رأس المال الجريء ضرورة لنمو قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة

لم يكتسب أي قطاع شهرة واسعة كالذي اكتسبه قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة بين القطاعات المهمة الأخرى، فإن كانت الشركات الكبيرة بمثابة رافعات اقتصادية راسخة يقوم عليها اقتصاد البلدان، فإن المنشآت الصغيرة والمتوسطة هي بالفعل أوتاد تلك الرافعة، وثقلها الأكبر، وعمودها المتين، كما لم تأت هذه السمعة من فراغ، بل من نتائج فرضت نفسها على أرض الواقع، فأعادت بموجبها الدول ترتيب حساباتها، وتشكيل ملامح اقتصاد جديد يعطيها حقها، ودورها في البناء والنهضة، ويعيد ترتيبها على سلم التفوق الاقتصادي العالمي.
فيما يسمى بلدان العالم الاقتصادي المتقدم مثل: أمريكا واليابان وغيرهما يقوم هذا القطاع بتوليد أكثر من 70 في المائة من الوظائف، وهي تتجدد بحسب الإمكانات والفرص المتاحة للاستثمار في تلك البلاد، وبشكل يجعلها في صراع مستمر مع البطالة، فكلما فتحت البطالة باباً، جاءت تلك المشاريع بأبواب مضادة للعمل، وهكذا.
هذه الصورة لها وجه آخر عندنا، وهو ما انحدر بدور القطاع، وأهميته، فانبرى الجميع لمعرفة الأسباب بالاستطلاعات والدراسات والاستبانات والإحصاءات، وكانت النتائج مفاجئة بعد أن تصدرت هذه العقبات أمور أبرزها: الإجراءات الحكومية، والتمويل، وهذا الأخير هو ما أحب أن أنوه إليه.
ففي المملكة - والحمد لله - العديد من صناديق التمويل الحكومية، وفيها مبالغ عملاقة جداً، وكذلك هناك صناديق تمويل من القطاع الخاص أيضا، وهذا الأمر يشكرون عليه، ولكن المشكلة ليست بعدد الصناديق، أو الملايين، وإنما في آلية التطبيق، فجميع هذه الصناديق تعمل بفلسفة البنوك الإقراضية، وهذه الفلسفة للأسف لا تخدم قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ولا تساعدها على النمو أبداً.
ما يحتاج إليه قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة هو ما دعا إليه ديننا الإسلامي، وهو صميم عمل المصرفية الإسلامية التي نشهد لها حضوراً خجلاً في مجتمعنا، فأين عقود المشاركة التي تشبه إلى حد كبير فكرة رأس المال الجريء؟
ورأس المال الجريء - باختصار - هو أن تقوم شراكة بين رائد أعمال ''صاحب فكرة تجارية'' ومستثمر يدخلان معاً في شراكة بمشروع معين، يتقاسمان فيه نسباً متفقاً عليهاً، ويقوم المستثمر بتخارج من المشروع التجاري بعد فترة يتفقان عليها أيضاً، وبسبب غياب سوق أسهم ثانوية يجب الاتفاق على آلية تقييم الشركة منذ اليوم الأول.
أما فوائد مبدأ المشاركة - أو ما يعرف بالرأس المال الجريء - لرائد الأعمال فهي أنه: يقلل المخاطرة ليس فقط أن المستثمر أصبح شريكاً لرائد الأعمال، وإنما له الحق في التدخل بالأمور الإدارية والمالية حسب الاتفاق، وهذا من شأنه تقليل التخبطات الإدارية التي قد يقوم بها رائد الأعمال، ومن الفوائد أنه قد يستفيد من علاقات التاجر أو المستثمر ولا سيما في سوق مثل السوق السعودية التي تعتبر فيها العلاقات من أهم عوامل إنجاح أي مشروع تجاري في المملكة، وهذه أمثلة بسيطة لرواد الأعمال.
أما الفوائد بالنسبة للتاجر أو رجل الأعمال فسوف يضمن عائداً على رأس المال أعلى بكثير مما تجني المصارف من خلال الفوائد (2 في المائة و5 في المائة) وأقرب مثال على ذلك شركات تقنية المعلومات في أمريكا مثل ''فيس بوك'' و''جوجل'' وعملاق البرمجيات ''مايكروسوفت''، فكل منها انطلق من رأس المال الجريء أو ما يعرف Venture Capital، وهذا على جانب العائد المالي، ويفترض أن تكون لدينا في الشركات العائلية أو الوطنية العملاقة - مثل شركة أرامكو السعودية وسابك وشركة الكهرباء وغيرها - المدرجة في سوق الأسهم أقسام في هذه الشركات تسمى ''رأس المال الجريء للشركة'' تهدف إلى الاستثمار والمشاركة مع رواد الأعمال لخدمة أنشطة الشركة، مثل أن تقوم شركة سابك مثلاً بالاستثمار في قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة مع رائد أعمال في مجال صيانة المصانع، وتكون هذه الشركة مستقلة عن سابك، وبعد فترة من الزمن تبيع سابك حصتها من هذه الشركة، وتكوِّن شركة مستقلة تماماً، تصور زخم الخبرة التي ستستفيدها هذه الشركة الناشئة من ذلك، وكم العائد على الشركة، وكم الوظائف التي تستوعب أبناء البلد.
موضوع شركات أو صناديق رأس المال الجريء في أمريكا بدأ قبل أكثر من 66 سنة، وخلال هذه الفترة شهدت البلاد نمواً لافتا، ونعتقد أن هذه التجربة بحاجة إلى تعميم ودعم، هذا لو أردنا لهذا القطاع أن يأخذ دوره فيما ذكرنا من البناء والتنمية في المملكة.
قد يقول البعض: ''إن كل سبعة مشاريع من أصل عشرة تفشل في صناديق رأس المال الجريء''، سبحان الله! هي نفس النسبة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، ولكن لو نظرنا إلى الأسباب الرئيسة وراء هذا الفشل لعرفنا أنه بسبب التعقيدات الحكومية وصعوبة الوصول للتمويل، وهذا يعزز سقف المطالب بالمشاركة للحصول على النجاح ريثما يتم وضع حد للعراقيل المذكورة.
في المقال القادم - إن شاء الله، ستكون لنا إطلالة على تأثير رأس المال الجريء في نمو قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والمعوقات، والتجارب الناجحة التي يمكن نقلها لوطننا الغالي..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي