كيف يستمتع الأبناء بحب الآباء لهم؟ (2)

استكمالا لموضوع مقال الأسبوع السابق..
نتحدث عن الحال الآخر:أبناء لم يحضوا بآباء جيدين،فنقول ليس بالضرورة أن يكون الآباء سيئين ولكنهم لم يمنحوا الأبناء وقتا كافيا أو ربما لم يثقفوا أنفسهم لمعرفة الطريقة الصائبة لمعاملة الأبناء، وربما كان هناك فرقا في التفكير والثقافة بين الأب والأم فيحدث التباين في التعامل قد يصل للتناقض مما يوقع الابن في حيرة،فلا يستمتع بوجوده معهما أو مع أحدهما؛بسبب توتره وعدم معرفته للسلوكيات التي تحقق رضا الوالدين.

هذا الوضع يزعج الأبناء الصغار أكثر من غيرهم فهم يحتاجون لمكوث الآباء معهم وقتا طويلا والاستماع إليهم واللعب معهم،وتقدير أحاديثهم وأفكارهم وحتى حركاتهم، ونجد أن الإناث في هذا السن يميلون إلى التقرب من الأكثر لطفا وهدوءا،سواء الأب والأم، والأبناء الصغار أيضا يميلون للقرب من الأكثر قدرة على الاستماع...

في هذه المرحلة الحساسة وفي ظل تواجد والدين غير مدركين لأهمية القرب والحب وكل الصفات الوالدية الحقة،فإن أطفالهم قد ينشئوا بلا هوية،بل وينشئون وهم يعانون من فقد الثقة وعدم القدرة على التعبير،وعدم الأمان؛لأن احتياجاتهم لم تُلبى، ولم يُبنوا من الداخل، وفي الغالب سيستمرون في هذه الصفات طيلة حياتهم،وسيصبحون متوجسين من الآخرين وليس لديهم القدرة على التفاعل مع الآخرين،ولا التعايش مع المواقف الحياتية المختلفة.

هؤلاء ستكون علاقتهم بوالديهم علاقة صمت وعدم شعور بالأمان والطمأنينة،وحب غير مكتمل الأركان؛فلا يُنتظر من هؤلاء أن يستمتعوا بحب والديهم لعدم توفر ذلك. وإذا كبروا قليلا تحول الصمت والشعور بعدم الأمان إلى عزلة وعناد،رغبة من هؤلاء الأبناء لتحقيق ذواتهم وبنائها ذاتيا ومحاولة الوصول إلى الرضا عن النفس،وغالبا ما تكون متعة هؤلاء الأبناء(من سن 8 إلى 12 سنة) ليس احساسهم بحبهم نحو والديهم أو حب والديهم -الغير جيدين- لهم،بل تكون متعتهم بتحقيق وتنفيذ ما يريدون،حتى وإن قاموا بمخالفة تعليمات الوالدين.

وإذا تخطوا الثانية عشرة من عمرهم ودخلوا في مرحلة المراهقة،تكون الست سنوات التالية مليئة بالأنانية واللامبالاة بالوالدين وكذلك بالأسرة!! وذلك بسبب معاملة الآباء والأمهات من هذا النوع لهم؛فهم فقدوا الثقة بهم ولديهم يقين بأن آباءهم لا يحبونهم،أو أنهم يحبونهم حبا ضعيفا ،أو يحبونهم حبا مشروطا،أو يحبونهم بطريقة خاطئة. الأبناء في هذه السن لديهم قدرة على الاستنتاج والربط والحكم على الأشياء،فيبدؤون يقيًمون مستوى أبوة أبيهم وأمومة أمهم!! وإذا توصلوا إلى أن هناك قصورا في ذلك ضعف الحب،مما يجعلهم لا يستمتعون بحب آبائهم لهم وبحبهم لآبائهم.

ماذا يفعل الأبناء في هذه السن وأيضا في السن التي تليها(من 18 سنة وما فوقها)؟ لمحاولة الاستمتاع بمحبة والديهم لهم. هؤلاء هم من أتوجه لهم بالحديث لأن ما دون 12 سنة لا يستطيع عمل شيء إزاء هذا الوضع.فأقول لهؤلاء المراهقين والشباب يجب عليهم تهيئة الظروف لوالديهم كي يحبوهم، والتقرب لهم عن طريق برهم وخدمتهم في كل صغيرة وكبيرة،بمعنى أنهم يدللونهم دلالا كبيرا وبذلك يستمتع الآباء ومن ثم يبادلون أبناءهم حسن المعاملة فيبدأ الأبناء بالاستمتاع بحب آبائهم لهم.

وقد تكون معاملة هؤلاء الشباب والمراهقين لإخوانهم الصغار بحب كبير ومتعة؛ وسيلة من وسائل لفت نظر الآباء لتقصيرهم.قد يكون لفت نظر الأم من قبل ابنتها الكبيرة أسهل من لفت نظر الأب. ولا يحسن بنا أن نجد لهؤلاء الأبناء العذر،كونهم لا يستمتعوا بحب والديهم،بل يجب عليهم عسف أنفسهم على ذلك، وترويض أنفسهم باعتبار خدمة والديهم بحد ذاتها متعة كبيرة، وعليهم الاستمرار في محاولاتهم لجعل الآباء يستشعروا دورهم،وذلك برفقتهم الرائعة لوالديهم،وبالتالي يستنطقوا المشاعر ويؤججوا الحب من جديد ومن ثم يسهل عليهم التمتع به.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي