المواطن دائماً على خطأ .. «الثامنة» مثلاً!
يلاحظ على البرامج الحوارية الذائعة الصيت، ومنها برنامج ''الثامنة'' للأستاذ داود الشريان، سعيها الدؤوب إلى إلقاء اللائمة في كثير من جوانب القصور الأدائية لدينا على المواطن، مع ميل واضح في أغلب الأحيان لإعفاء المسؤول الحقيقي من مسؤولية التقصير!
في رأيي أن الصورة النهائية التي يحاول البرنامج، وما شابهه في حوض الإعلام المرئي، الترويج لها، هي التالي: الحكومة أنفقت أموالاً طائلة، لكن المواطن الذي أوكلت إليه المهمة مقصر دائماً ولا يحسن التصرف (!).
نعم، قد يجد هذا التوجه الإعلامي التفافاً آنياً كثيفاً من قبل الجمهور، كما قد تمليه الضرورة على الفضائيات تبعاً لمعطيات المرحلة وما يواكبها من لهاث لمنافسة الإعلام الإلكتروني البديل، لكن هل سيستسلم المواطن غداً لمحاولة إملاء حقيقة غير كاملة الملامح عليه؟!
السؤال هنا موجه للإعلاميين وليس للمتلقين من العموم، والذين قد يرقص البعض على جراحهم لتحقيق حضور ما في زمن ما! وما ينساه بعض الإعلاميين، للأسف، هو أن دخول العوام ضمن ''أجندة'' إعلامية، قد يتدنى بالممارسة لدرجة تحويلها من إعلام إلى ''إغلام''! فما نفع اللغط سوى حصاد التشفي؟!
بعبارة أخرى، أعتقد أن موظفي الوزارة (س) لا يغنون بأي حال من الأحوال عن وزيرها ووكلائه! كما أن هؤلاء الموظفين القياديين الذين يلبون دعوة الفضائيات مجبرين في أحيان كثيرة، هم في الأساس نتاج بيئة لم تمنحهم خيارات كثيرة للتنويع والإبداع والاختلاف. إنهم في نهاية المطاف نتاج ''أمر'' واقع لا حول لهم فيه ولا حيلة. لقد أتوا وهم ضعاف لإنفاذ قانون قويّ بضعفه، وهذا الضعف لا يحتمل سوى الرقة في التعامل، تماماً كتلك الحالات التي تتعامل فيها مع الكهول ومستحقي الحنو والشفقة. الموظف قد يخطئ في أحيان كثيرة، لكنه لا يتحمل كل الخطأ على الدوام، فهذه مشكلة من يستطيع تقويم القانون وتقويته بالتصحيح بموجب ما منح له من عشرات الصلاحيات.
وهنا أرى أن وسائل الإعلام لم تركز كما يكفي على نبض الشارع وهمومه في أحيان كثيرة، إلا أن هذا لا يبرر أن يقزّم كل الناس من خلال أشباههم من المواطنين الظاهرين على الشاشة! نحن في نهاية المسألة هؤلاء، وهؤلاء هم نحن، بعيوبهم وإخفاقاتهم وضعفهم. يحدث كل هذا، والأولى بالمساءلة مغيب تماماً عن المشهد في السواد الأعظم من الحالات! الحالة اليوم تشبه كثيراً مفهوم التعبير عن الرأي العام الذي ساد في ثمانينيات القرن المنصرم في دول مثل مصر وسورية. فمصر عبر برامج ''الكلام'' والتبرير، وسورية عبر المسرح الدريدي الشهير!
مخالصة
أذكر جيداً أن هناك مذيعاً عربياً شهيراً كان يقترف الحوار في برنامج فضائي قبل سنوات، فغضب منه ضيف في إحدى الحلقات على خلفية سؤال اتهامي، فقال الضيف: أنا ما اسمحلكش تتهمني الاتهام البشع ده! فقال المذيع الاستحواري الهمام: ''احترم نفسك يا سيّدي! هزا الكرسي قلس عليه قبلك زعماء وقيادات لها تاريخها وأهميتها! الكرسي ده للي حيقاوب بس.. مش عاقبك، اتفضل مع السلامة!''.
ملاحظة: كل القيادات والزعامات التي أشار لها الأخ الإعلامي الحواري تم إسقاطها أو سجنها أو نفيها أو إعدامها بإرادة الشعوب، أما أحدها فلا يزال قيد السقوط، كما توقف الإعلامي ''العريض'' الخبرة عن التحاور الفضائي وانتقل لاقتراف الكتابة في صحافة توفر العملة الصعبة!