إن حبتك عيني .. ؟!
فجأة وبدون مقدمات رددت على مسمعي (تعبيراً عن انزعاجها في مكان العمل) مثلاً جميييييلاً لاقى وقعه الرهيب في نفسي، قالت: "إن حبتك عيني... ما ضامك الدهر !!" هو تعبيرها الهاديء الصريح عن عدم الشعور بالراحة من الممارسات الخاطئة لرئيستها في العمل ! من التفرقة في المعاملة وانتفاء العدالة الوظيفية وتكديس الأعباء .... من فرض مجموعة من المواقف ذات الشكل البيروقراطي القميء الذي يعززه تردد الرئيس في قراراته ، إلى تطبيق المبدأ (الميكافيلي) للتفرقة في المعاملة حتى يسود ظلماً وبهتاناً فوق الجميع.
فكم تزخر بيئاتنا الإدارية بنماذج تسيء إلى المنظومة الوظيفية (خاصةً في القطاع الحكومي)، فما بين إصرار على التقيد بالإجراءات واللوائح الرسمية أو ما نسميه (نص النظام) إلى رعب الرئيس الضعيف من محاولة التجديد والتغيير.. وصولاً إلى الابتعاد عما نسميه (روح النظام) الإداري. وما بين تهديد ووعيد وتخبط عشوائي في القرارات يقابله تحميل الفرد المنتج لأعباء متزايدة أكثر فأكثر بما يفوق قدرته على الانجاز ، نجد الناتج يتأثر بتقلب الأمزجة والضرب بعرض الحائط باحتياجات الموظف للنمو وتأكيد الذات. في بيئة العمل المويوءة هذه ، هناك تعارض بين الثقة والشك، وبين التفويض والمركزية خاصة في ظل غموض الدور وضعف قدرات الرئيس وإحساسه بعدم السيطرة على عمله، فتنقلب العلاقة بالمرؤوسين إلى تسلط وتهديدات وعدوانية، مما يسيء إلى حرية الموظف الشخصية ويؤثر على العلاقة ومستويات الأداء. فكيف ستنمو المنظمات بعدها وتتجدد ؟
لكني أفسر هذه الحالات (المشاعة) بمنظور مغاير، فالمرؤوس الإيجابي محظوظ بوجود هذا النوع (الشرير) من الرؤساء إلى حد ما !! لإنه إن كان يحمل روح التحدي والإصرار على إثبات الذات، إضافة إلى التمكن من أداء العمل بإتقان، والصبر لبلوغ المجد... فسيحول الجهود إلى إنجازات مبهرة، ويصبح لديه شحنة هائلة تدفع إلى الأمام كصاروخ يشتعل يعرف مداه ومستقره ومستودعه. فيرتقي المرؤوس إلى أفضل حالات الإنجاز الوظيفي الواحدة تلو الأخرى غير آبهٍ بالتفاهات. ولو فكر كل منا بأسماء رؤساء العمل على مدى سنوات الحياة، ممن كان لهم أثرُ حقيقي في الانجاز الشخصي، لبرزت في الذاكرة أسماء (شريرة) نذكرها ونستغفر الله لها وندعو أن يكافأها على قدر النوايا.. تماماً كما نتذكر بشوق رؤساءً عظام ، حفروا في قلوبنا أسمائهم فما نسيناهم حتى لو غيبهم الموت، ونظل ندعو لهم في القنوت بأن يجزيهم الله عنا خير الجزاء كما أحسنوا إلينا بعلمهم وأخلاقهم.
فكيف تمتليء مكاتبنا (بمن تحبهم العين.. ولا يضيمهم الدهر !!). كيف يكون الرئيس محبوباً بخلقه وعدالته وتمكنه مما يفعل ؟ دعونا نسأل السؤال بالعكس: كيف يجعل الرئيس موظفيه تعساء ؟ وإليكم الجواب حتى لا يضيمكم الدهر!؟ مثلاً إن لم يسمح لك الرئيس أن تفخر بما أنجزت وتلاعب بأدوارك الوظيفية وحركك كقطعة شطرنج تارةً من مهمة إلى مشروع إلى مهمة، فأعلم أنه ينوي شيئاً ما. وإن لم يفوت الفرصة لعرقلة أي تقدم في عملك فيضع أهدافاً متضاربة ويغيرها بوتيرة مستمرة لتدمير الدافعية ، فأعلم أنه يبيع التعاسة في أرضك. أما الطامة الكبرى إن كان ينسب لنفسه الفضل ويجيّر أنجازك وعملك لصالحه ولقدرته الفذة، مع عدم الوعي بفداحة ما يفعل، وكأنه حق من حقوقه على رعيتة من الموظفين! فأعلم أنه يفرش الطريق لتعاستك. وأخيراً إن إمتلأت بيئة العمل بالمشكلات والصراعات (وغالباً ما يحدث)، إلا أنه ينكرها ويتنصل منها ويرمي باللائمة على الآخرين ويحملهم الذنب والخطيئة ليبدو كالذئب بلا دم يعقوب حتى لو أحضروا له القميص، فتأكد أنه بكامل الإصرار والترصد ينوي هدم حياتك الوظيفية إلى الأبد. فهل ستسمح له بذلك ؟
من منا لم تصادفه هذه النوعية من الرؤوساء ؟ وكم منا حوّل الممارسات الفاشلة في بيئة العمل إلى محفزات إيجابية تقلب الطاولة على الرئيس الشرير ؟! فتبوء محاولاته بمشيئة الله بالفشل؟
يحتاج الموظفون (خاصةً في القطاعات الحكومية) إلى قلب حي وعقل منصف يساند الحق أينما وجد ، ويحتاجون أيضاً إلى دعائنا من القلب بالتوفيق والسداد في مسعاهم وكفاحهم لصنع التغيير المنتج ، وستظل الشجرة المثمرة تٌلقى بالحجارة .. وستظل الوارفة تٌلقِي بالثمر.
تحية تقدير للصابرين على الضيم !!
وإن حبتك عين (المدير)... ما ضامك الدهر !!