أول الغيث .. «شعور»
أسعدني الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام في الأسبوع الماضي عن بئر الغاز التي تم اكتشافها في المياه الإقليمية للمملكة شمال غرب ميناء ''ضبا'' على ساحل البحر الأحمر. وقد اختير ''شعور'' اسمًا لتلك البئر، وهو في الأصل اسم لنوع من الأسماك تستوطن الشعاب المرجانية على طول الساحل الغربي للمملكة. ويبدو أن ذلك تقليد تنتهجه شركة أرامكو السعودية في تسمية آبار النفط والغاز بأسماء من البيئة التي تُكتشف فيها تلك الآبار.
معدل الإنتاج اليومي لتلك البئر بلغ نحو عشرة ملايين قدم مكعبة وفقًا للبيان الصادر على لسان المهندس علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية. ومن ثَمَّ يعد إنتاج ''شعور'' متواضعًا مقارنة بمتوسط الآبار التجارية الأخرى في المملكة. وإذا وضعنا تلك المقارنة في إطار مجموع ما تنتجه المملكة من الغاز في اليوم الواحد وهو 11 مليار قدم مكعبة على وجه التقريب يمكن للقارئ أن يتصور الحجم النسبي للكشف الجديد.
غير أن تلك المقارنة لا تعكس بشكل عادل أهمية ما تم اكتشافه عند الحديث عن سياسة المملكة في تبني برامج تنمية شاملة في كل بقاعها. إذ إن تلك المكامن أو الحقول المنتجة للغاز الطبيعي غير المصاحب للنفط، كحال ''شعور''، تعد مصدرًا مثاليًّا للطاقة النظيفة بتكلفة اقتصادية منافسة. ولعل من حسن الحظ أن ''شعور'' وما ستتبعها من آبار في الحقل نفسه تعد قريبة من مراكز حضرية غنية بالمعادن. ذلك يعني أنه يمكن بناء مجمعات صناعية وتقنية في شمال غرب المملكة على أسس مستدامة دون الحاجة إلى إعانات مصطنعة قد لا تصمد على المدى الطويل أمام قوى السوق.
ذلك الإقليم من المملكة حباه الله بمزايا كثيرة أخرى إلى جانب ثرواته الطبيعية؛ إذ إنه قريب من الأسواق العالمية التي يمكن التصدير إليها عبر ميناء ضبا الجاري توسعته حاليًا. ولعل من فضول القول إن تلك البوابة البحرية، مع وجود مصادر للطاقة، تجعل من المجمعات الصناعية في المنطقة الشمالية الغربية من المملكة رديفًا استراتيجيًّا للمجمعات الصناعية على الساحل الشرقي. بمعنى آخر أن ''شعور'' وما ستتبعها من اكتشافات أخرى على الساحل الغربي- بإذن الله- تدعو إلى تبني رؤية جديدة لخريطة الاستثمارات الصناعية ومشاريع البنية التحتية بعيدًا عن العاطفة والأفكار التقليدية.
هناك تحديات أخرى مهمة في ملف إنتاج الطاقة واستخداماتها، إلى جانب الخريطة الصناعية. تلك التحديات تناولها المهندس خالد الفالح رئيس شركة أرامكو السعودية بشيء من التفصيل في محاضرته التي ألقاها في الحفل السنوي لخريجي جامعة M.I.T في المملكة بتاريخ 5/5/1431هـ، ويمكن الرجوع إليها على الإنترنت.
من أبرز تلك التحديات الاستهلاك المحلي الجائر للنفط، فلم تعد المملكة العربية السعودية منتجًا رئيسًا للنفط والغاز فحسب، بل انضمت أيضًا إلى قائمة كبار المستهلكين. إذ يبلغ ما يُستخدم محليًّا في الوقت الراهن نحو 30 في المائة من إجمالي ما ينتج من الطاقة الهيدروكربونية (النفط والغاز) وبمعدل زيادة سنوية يراوح بين 8 و10 في المائة، وهو معدل عالٍ بكل المقاييس. بالطبع جزء من ذلك الاستهلاك ومن تلك الزيادة قد يكون له ما يبرره في النمو الصناعي وبالذات كمادة لقيم في الصناعات البتروكيماوية، لكن هناك مساحة واسعة للترشيد في قطاع النقل الذي يستهلك نحو 39 في المائة من مجموع كميات النفط والمنتجات المكررة التي تمتصها السوق المحلية، وكذلك الحال في عمليات إنتاج الكهرباء وتحلية المياه التي تستقطع حصة لا تقل في مجموعها عن حصة قطاع النقل أو ما يعادل مليون برميل يوميًّا بين نفط وغاز.
من الطروحات التي يدور الحديث حولها اليوم كآلية على المدى القصير لمعالجة الخلل في استخدامات الطاقة محليًّا هو التدرج في إحلال الغاز بدلاً من النفط وبالذات في تحلية المياه وتوليد الكهرباء، وهنا يأتي دور ''شعور'' وإخوته. على أن يكون العلاج على المدى الطويل عن طريق المصادر البديلة ومن بينها الطاقة النووية والطاقة الشمسية.
أيًّا كان أسلوب المعالجة، هناك اتفاق على أن ملف الطاقة في المملكة بات متشابكًا مع ملفات مهمة أخرى، أحسب أننا تأخرنا كثيرًا في التعامل معها.