علّـة العلّـة ؟!
كلنا يريد انجاز معاملاته دون التعرض لصنوف المماطلة والقهر والتعب، كلنا يأمل أن تؤدى أمانة الإتقان إليه بود وإخلاص يفرح القلب الحزين. لكن الذي يحدث في مؤسساتنا يتنافي مع الأهداف الأساسية التي وضعت من أجلها اللوائح والأنظمة ! سبب العِلّة (في تقديري) عدم استيعاب المدراء والمسؤولين أن الإجراءات القديمة أصبحت معيقة للانجاز ، وأن بعضها لم يعد يصلح للتطبيق وإنما للتجاوز لإنقاذ من وقفت بوجهه الأنظمة.
خاصةً إذا مالت المنظمات إلى أن تأخذ الشكل البيروقراطي المتقيد بإجراءات ولوائح رسمية، والمعتمد على نظم إشراف متشددة. أو إن كان الإجراء يتطلب سرعة المبادرة والسعي نحو شرف تبني الجديد بما يخدم ويحقق السبق للمنظمة الإدارية.
العِلّة أن يدرك الرئيس ذلك ويستميت ليبقى بطيئاً متردداً في إتخاذ القرار خوفاً من تبعات المخاطرة ! (العِلّة بكسرة ففتحة ) تعني السبب الغامض الذي يقدح في صحة الفعل ، فسلوكيات إدارية كثيرة ظاهرها يكون مستجمعاً لشروط الصحة غير أنه لسبب خفي لا يدركه وعينا لا نعتبر السلوك صحيحاً بل معلولاً . ومقصدي ومرادي في الإشارة إلى العلِّة : أنها السلوكيات الممارسة نحو المستفيد من الخدمة التي تعكس الرفض والاستهجان، وأن مانطلب من خدمة إدارية هو المستحيل وغير الممكن اطلاقاً إنجازه ، بينما تقع منطقياً ضمن صلاحيات ولوائح المنظمة. وكأنها المستحيلات الثلاث (الغول والعنقاء والخلّ الوفي) !
جمع (عِلّة) علل وعلات.. والعلل كثيرة في دماء منظماتنا وفي سلوكيات العاملين بها والقائمين عليها . علّة العلة أن ينتظر المراجع أسبوعين للحصول على توقيع دون وجود سبب مقنع !؟ علّة العلة أنك لا تدري من تتابع أو تخاطب أوتتواصل ؟! وكلما كلمت شخصاً (حدفك) على عتبة فضل شخص آخر .. وطوق عنقك بحبل متين راجياً أن تموت مخنوقاً فلا يتحقق طلبك ! أما علّة العلّة الأكبر أن يحاول المسؤول إقناعك بأنه أحضر (لبن العصفور) مع أن الذي طلبته هو حق أصيل تستوجبه أبسط ممارسات تقديم الخدمة للمستفيد على وجه السرعة.
يكمن دواء هذه العلّل في تبسيط الاجراءات في الدوائر الحكومية والمنظمات الإدارية وتسهيلها على المراجعين لكي لا يحتاج المستفيد إلى صبر أيوب وحفنة التوسلات . فما دام الرئيس يعي أن جميع القوانين شرعّت لتمنح الفرد حقوقه كاملة غير منقوصة مع تطبيق ما يحقق النظام ، فلا بد للتعليمات الصادرة واالأنظمة المطبقة أن تبتعد عن التعقيد ويتم التعامل بها كأداة تتغير وتتبدل وفق الاحتياجات والامكانات وليست من المسلّمات والأمر الواقع الذي لا مفرّ منه. لابد من حراك نشط يركز على نشر الوعي القانوني في مختلف وسائل الاعلام وتعزيز ثقافة الحقوق والواجبات لدى المستفيد من الخدمة ومن يقدمها. ثم لماذا لا تنتهج المؤسسات أسلوب تقديم الخدمة وإجراء المعاملات عبر شبكة الإنترنت حيث سيتيح للمستفيد انجاز معاملاته بيسر وسهولة، وسيرفع من مستوى ممارسات مكافحة الفساد وأقصاء وسائل الابتزاز النفسي .
وقد دعى النبي صلى الله عليه وسلم على من تولى أمور المسلمين الخاصة والعامة؛ في حديث عائشة رضي الله عنها: قال: ((اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه)) ولايعني الرفق أن يأتي المرء للناس على ما يشتهون ويريدون لكن يرفق بهم في قضاء حوائجهم مع استعمال الحزم والقوة، فلا يكون ليناً مع ضعف، ولكن ليناً بحزم وقوة.
(عِلّة العلّة) أن نبقى ضمن المنتقدين الشاكين ولا نفعل شيئاً لتغيير هذا الواقع. (عِلّة العلّة) أن نرضى (خرساً) ساكتين عن الحق ونحسب أننا من الصابرين ! فما نفع السكوت في زمن كثُرت فيه ممارسات الرقّ الإداري والتخبط الإداري والمسلسل الدرامي مستمر ومازلنا نصفق للخائبين.
وقف فيليكس بومجريتنر على عتبة الكرة الأرضية وقفز مخترقاً جدار الصوت ليسجلّ إسمه خالداً في التاريخ البشري ولتختل توازنات قوانين الفيزياء إلى الأبد، ولتموت أنظمة علميّة وتحيا معادلات فيزيائية جديدة ويصنع نجاح باصرار وعزيمة .. ونظل نحن بعدها في التخبط الإداري لا ندري من صاحب العلّة من المعلول !