مقترحات أمام أنظار وزير التجارة

الربح، هاجس إنساني جر وراءه تريليوناتٍ وتريليونات من البشر عبر التاريخ، ولكل من هؤلاء وجهته، لكن المقصد واحد في النهاية، وهو: كيف أضاعف مالي، وأحسن حالي، وأريح بالي؟، ولسان الحال يردد: فقد أفقد في حياتي الكثير، لكن أعز مفقود، وأغلى موجود مذاك إلى اليوم، بل إلى قيام الساعة إنما هو المال.
ولأن سحره يفوق الخيال، وببريقه تضرب الأمثال، وبرنين دراهمه تهتز الجيوب وتتبشبش الوجوه وتنطلق الأقوال، قال قارون ما قال، فانتهى من حال إلى حال، ونعوذ بالله مما وصل إليه، أو جر عليه من عقاب ومآل.
وبيت القصيد بعد هذا، أنه وقبل نحو 15 سنة تقريباً، انطلقت لدينا شركات المساهمات، أمثال: مساهمات جمعة الجمعة، أو العيد، وغيرها الكثير، وهي أشبه ما تكون بشركات توظيف الأموال، حيث يتدافع الناس لوضع أموالهم عند هذه الشركات رغبة منهم في تحسين أوضاعهم المالية، وقد كان لها إيرادات مالية خيالية، حيث أصبح الناس يسحبون أموالهم من البنوك ليضعوها في هذه الشركات إيماناً منهم بالربح، وجرى على هذا الطريق عقلاء القوم من المهندسين والأطباء والإعلاميين ومثلهم الموظفون وكل من كان له حبة من ريال أو هللة!. حتى وصل مبلغ مساهمة واحدة إلى ما يقارب مليار ريال لعدد ثمانية آلاف مستثمر أو مساهم، وهو مبلغ كبير جدآً يكفي لقيام صناعة متكاملة.
ولأن وراء كل ربح عظيم مشكلة عظيمة!، فإن مثل هذا المبلغ المذكور يعادل قيمة ما يقارب ألفي وحدة سكنية بأسعار اليوم!، وإن شئت أن تقول، فهو يعادل كذلك راتب ثمانية آلاف و300 مهندس تقريبا في إحدى الشركات الكبرى لدينا أمثال: "أرامكو"، و"سابك"، ولمدة سنة كاملة!
معالي الوزير المحترم
لا يخفى أمر التضخم الذي حدث في المملكة خلال السنوات العشر الماضية، حتى أن متر العقار الواحد تضاعفت أسعاره عن تلك الفترة، أو على أقل تقدير ارتفع بمقدار 25 في المائة، ولو قمنا بعملية حسابية بسيطة أن هناك مساهم في إحدى هذه الشركات استثمر 100 ألف ريال قبل أكثر من 15 سنة، ومستثمر آخر استثمر القيمة نفسها في قطاع العقار فكيف سيكون العائد على أموالهم؟
نعم، كل إنسان يتحمل أخطاءه، ولكن غياب النظام في تلك الفترة سبَّبَ مصائب على المجتمع عامة، والاقتصاد الوطني خصوصاً، وذلك عندما لا يكون هناك نظام قضائي قوي وسريع يحمي المستثمرين في القضايا التجارية ــــ وأشدد على كلمة سريع لأننا نعلم أن للوقت قيمة مالية كبرى في عالم المال والأعمال ــــ، وبسبب ذلك سيتوجه الجميع إلى العقار على الأغلب، وهذا يسبب شللا في الخريطة الاقتصادية للمملكة، فعندما يسمح لشخص ما بجمع مثل هذا المبلغ دون تصريح رسمي تتحمل الجهات الحكومية جزءاً من المسؤولية المتمثلة بضعف الرقابة، وأمر آخر: هناك ضعف الوعي الاستثماري لدى غالبية المجتمع، وهو ما جعل منه فرصة للاستغلال، مما يدق في أسماعنا أجراس ضرورة العمل على رفع الوعي الاستثماري في المجتمع، ولذلك دراسات أخرى وخطط.
معالي الوزير
إن المصيبة التي يعانيها مساهمو مساهمة جمعة الجمعة وغيرها من المساهمات المشابهة كبيرة جداً، وضررها قد يكون أكبر من ضرر المساهمات العقارية التي نتقدم لك بالشكر الجزيل على إنجاز ملفها بنجاح، وهذا ما يدعونا إلى أن نتمنى أن تكون مثل هذه القضايا على قائمة أولوياتك، والتي أكاد أن أجزم أن هذا الملف سيكون الثاني الذي سيتم النظر فيه، ويحظى بالاهتمام نفسه الذي حظي به الملف الأول.
وهناك بعض الاقتراحات لتعجيل حل ازمة هذا الملف، مثل: أن تكون هناك محاكم تجارية متخصصة تبت في جميع القضايا التجارية، وتخرج من المحاكم العادية وتعجِّل في تنفيذ الأحكام، وتصفية الشركة وجميع ممتلكتها، وإعادة أموال الناس أو ما تبقى منها إلى أصحابها لأن كل تأخير يفقد من المبلغ قدرته الشرائية مما يضاعف الضرر على المساهمين، كما يجب أن تحسم مثل هذه القضايا في فترة لا تتجاوز سنتين على أكبر تقدير.
أقترح يا معالي الوزير أن تكون هناك آلية معينة لمساعدة المواطن في التأكد من صحة أي مساهمة جديدة، فنحن نتذكر جيداً في الفترة السابقة، أننا كنا نسمع عن أشكال متعددة من المساهمات، والعديد من أشكال النصب والاحتيال على الناس، وحتى نحد من هذه الظواهر يجب أن يكون هناك مركز اتصال في الوزارة يستطيع أي مواطن من خلاله أن يستفسر عن أي ظاهرة جديدة في المجتمع من ناحية قطاع الأعمال، والمواطن من جهته سيكون هو عين الوزارة والمساعد لها في عملها.
سوقنا تحتاج معالي الوزير إلى الكثير من التنظيم خصوصاً في مجال المهن، ممن يحق لهم تسويق المساهمات العقارية، أو ما يعرفون بالسماسرة، فهؤلاء يجب أن يحصلوا على رخصة مزاولة المهنة، وكذلك من يحق لهم تسويق الصناديق الاستثمارية، حيث لا يكفي أن تكون الشركة مرخصا لها، وإنما يجب أيضاً أن يكون الموظف مرخصاً له في العمل في هذا المجال، هذه كلها إجراءات من شأنها أن تحد من التلاعب في السوق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي