«مجلس الشورى» و«هيئة الخبراء» تحت قبة واحدة
أقترح في هذا المقال دراسة جدوى دمج ''هيئة الخبراء'' مع ''مجلس الشورى'' إدارياً وتنظيماً، مع الأخذ في الاعتبار تاريخ ومنجزات كل من الهيئة والمجلس على حدة.
تم إنشاء كل من هيئة الخبراء ومجلس الشورى بأمر ملكي منفرد ونظام خاص يمنح كل منهما شخصيتهـا المستقلة. صدر الأمر الملكي بالموافقة على نظام مجلس الشورى بتاريخ 27/8/1412هـ، وحل هذا النظام محل نظام مجلس الشورى الصادر في عام 1347هـ. ويتكون مجلس الشورى من رئيس و150عضواً، يختارهم الملك من أهل العلم والخبرة والاختصاص، وتحدد حقوق الأعضاء وواجباتهم وشؤونهم كافة بأمر ملكي.
أما هيئة الخبراء فقد صدر الأمر الملكي بتاريخ 12/7/1373هـ بالموافقة على نظام مجلس الوزراء، وتضمنت المادة (19) منه أن مجلس الوزراء يتكون من شعب عدة من ضمنها (شعبة الخبراء الفنيين). وفي 3/3/1414هـ صدر نظام مجلس الوزراء (الحالي) بموجب الأمر الملكي رقم أ/13، وفيه عُدّل اسم شعبة الخبراء إلى هيئة الخبراء.
أحد أهم أسباب اقتراحي بدمج هيئة الخبراء مع مجلس الشورى هو تلاقي وتوافق وتناغم أهداف المنظمتين الاستشاريتين في بوتقة واحدة. على سبيل المثال تحدد المادة 15 من نظام مجلس الشورى مهام المجلس بإبداء الرأي في السياسات العامة للدولة التي تحال إليه من رئيس مجلس الوزراء، ومناقشة الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ودراسة الأنظمة واللوائح والمعاهدات والاتفاقيات الدولية والامتيازات، وتفسير الأنظمة ومناقشة التقارير السنوية التي تقدمها الوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى واقتراح ما يراه حيالها. كما أن المادة 18 تنص على أن من مهام المجلس إصدار الأنظمة والمعاهدات والاتفاقيات الدولية والامتيازات، وتُعدل، بموجب مراسيم ملكية، بعد دراستها من مجلس الشورى.
في المقابل فإن مهام هيئة الخبراء واختصاصاتها تتضمن بحث المعاملات التي يحيلها إليها رئيس مجلس الوزراء ونائبه ومجلس الوزراء ولجانه المتفرعة ودراستها، وتحضير مشروعات الأنظمة، وإعداد الدراسات اللازمة لها، ومراجعة الأنظمة السارية واقتراح تعديلها، ودراسة الاتفاقيات والمعاملات التي تتضمن وضع قواعد عامة أو التي تتطلب إصدار مراسيم ملكية، ووضع الصيغ المناسبة لبعض الأوامر السامية والمراسيم الملكية وقرارات مجلس الوزراء، ومشاركة الأجهزة الحكومية في دراسة الموضوعات التي تحال إليها من المقام السامي أو من مجلس الوزراء أو المجالس العليا. كما أن المادة 3 من لائحة هيئة المستشارين في هيئة الخبراء تحدد اختصاصاتها الرئيسة بدراسة مشاريع الأنظمة والقواعد، ومشاريع الاتفاقيات العامة، والمعاملات التي تتضمن قواعد عامة. إذن مهام كل من مجلس الشورى وهيئة الخبراء متقاربة إلى حد بعيد.
ما الفوائد التي ستجنيها الدولة من دمج هيئة الخبراء مع مجلس الشورى؟ أكاد أجزم أن نتائج الدمج ستحقق الكثير من الإيجابيات من أهمها تسريع مناقشة المواضيع والبت فيها قبل رفعها للمقام السامي لإقرارها ويقرر ما يحال منها إلى مجلس الوزراء. إذا اتفقت وجهات نظر مجلسي الوزراء والشورى تصدر القرارات بعد موافقة الملك عليها، وإذا تباينت وجهات النظر يعاد الموضوع إلى مجلس الشورى ليبدي ما يراه بشأنه ويرفعه ثانية إلى الملك لاتخاذ ما يراه. في بعض الأحيان يتم تحويل الموضوع بأكمله لهيئة الخبراء لإعادة دراسته من البداية ومن ثم رفع مرئيات الهيئة للملك، الذي بدوره قد يحيله ثانية لمجلس الشورى الذي قد يبدي ملاحظات على مرئيات هيئة الخبراء، وهكذا.
تأخذ ''بيروقراطية'' هذه الإجراءات وقتاً طويلاً قبل تنفيذ القرارات. أقرب الأمثلة على ذلك تباين وجهات النظر بين مجلس الشورى ومجلس الوزراء حول تعديل بعض مواد نظام المرافعات، وكذلك اختلاف وجهات النظر مع وزارة العدل في النقاش الذي دار في هيئة الخبراء حول منح المرأة رخصة المحاماة، وتصويت مجلس الشورى لمصلحة ''عدم الموافقة'' على إيقاع عقوبات ارتهان بطاقات إثبات الشخصية التي اقترحتها هيئة الخبراء، وأيضاً الجدل القائم حول زكاة الأراضي المعدة للتجارة بما يتعلق بمشاريع التطوير العقاري. النتيجة الإيجابية الثانية من الدمج هي استفادة المؤسستين بعضها من بعض تحت قبةٍ جامعةٍ واحدة. المثال على ذلك تقارب وجهات النظر بين هيئة الخبراء ومجلس الشورى حول تفعيل عنوان المواطن والمقيم الخاص بنظام الأحوال ونظام الإقامة ونظام السجل التجاري. نظام مجلس الشورى يتيح للمجلس تكوين من بين أعضائه اللجان المتخصصة اللازمة لممارسته اختصاصاته، وله أن يؤلف لجاناً خاصة من أعضائه لبحث أي مسألة مدرجة في جدول أعماله وأن تستعين تلك اللجان بمن تراه من غير أعضاء المجلس. وبالتالي، فإن ''لجنة المستشارين'' التابعة حالياً لهيئة الخبراء ستصبح ذات فائدة كبيرة لمجلس الشورى بعد الدمج.
الفائدة الثالثة من الدمج ترشيد الإنفاق. مجلس الشورى له ميزانية خاصة ويتم تنظيم الشؤون المالية والرقابة المالية والحساب الختامي للمجلس وفق قواعد خاصة تصدر بأمر ملكي. الترشيد يكمن في بناء قاعدة معلومات واحدة متكاملة ومتاحة للجميع في وقت واحد وتحت قبة جامعة، والتقليل الجوهري في التكلفة البشرية والمادية وفي الوظائف الخدمية والإدارية والمباني. إدارياً، سيشكل المجلس المدمج الجديد هيكلاً أفقياً متناسباً يجعل المشاركة والعمل بروح الفريق سلوكًا ممكنًا مع الأخذ في الاعتبار حل الاختلافات في وجهات النظر بأسلوب أكثر سرعة ومهنية ودقة.
اندماج الكيانات الكبيرة سمة هذا العصر وتحقيق للمصلحة العامة. المجلس الجديد سيكون منظومة متكاملة هدفها دقة وسرعة الفصل في القضايا التشريعية والرقابية في بيتنا الكبير.