تصدير العمالة السعودية .. خبرة ومصدر دخل
تسهم التدفقات المالية التي تجريها العمالة الوطنية بشكل دوري على شكل حوالات نقدية من الأوطان التي تعمل فيها إلى وطنها الأم في توفير دعم رئيس للحراك الاقتصادي في الوطن الأم. يتمثل هذا الدعم في توفير السيولة المالية والعمل كمورد رئيس للاقتصاد الوطني يستطيع من خلاله الاستدامة في النمو والازدهار عندما تمر موارد الاقتصاد الأخرى بحالة من الركود والكساد. هذه خلاصة ما توصلت إليه دراسة حديثة صدرت مطلع الأسبوع الحالي من صندوق النقد الدولي بعنوان ''حوالات العمالة.. المردود الاقتصادي من المنظور الدولي''. كما توصلت الدراسة كذلك إلى كبر حجم التأثير الاقتصادي من منظور اقتصاد الدولة الأم في الدول الحاضنة للعمالة الأجنبية والمصدرة، بالتالي للحوالات النقدية للوطن الأم.
أجريت الدراسة على 70 دولة من الدول الرئيسة في تصدير عمالتها الوطنية للخارج. ونظراً لوقوع الاقتصاد السعودي في الطرف الآخر من معادلة استيراد وتصدير العمالة باستيراده قرابة ثمانية ملايين عامل أجنبي، فإن النظر من زاوية الطرف الأول من المعادلة، ''التصدير''، في محاولة لتنوع مصادر دخل الاقتصاد السعودي والاستفادة من حراك حوالات العمالة عبر العالم يدعونا إلى طرح تساؤل عن مدى جدوى تصدير العمالة السعودية اليوم للعمل في الاقتصادات المتقدمة والناشئة بما يمكنها من اكتساب الخبرة المهنية اللازمة والحصول على نصيب من سوق حوالات العمالة لدعم مسيرة الاقتصاد السعودي خلال العقدين المقبلين. تساؤل من الأهمية الإجابة عنه بعد المرور على توقعات النمو السكاني السعودي بحلول 2025، وما يرتبط بذلك من توقعات حجم القوى العاملة السعودية، ومعدلات البطالة الناشئة، وحجم التبادل التجاري المتوقع، ومثيله من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2025.
توقع تقرير التنمية البشرية الأخير التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حدوث مجموعة من التطورات الديموغرافية والتنموية في المملكة على المديين المتوسط والبعيد. من هذه التوقعات نمو عدد سكان المملكة بمقدار 2.1 في المائة سنوياً خلال الفترة من 2005 إلى 2015 ليصل عدد السكان إلى 29.3 مليون نسمة نهاية 2015. ثم سيستمر معدل النمو هذا في النمو موصلاً عدد سكان المملكة إلى قرابة 40 مليون نسمة بنهاية 2025. تقودنا توقعات النمو السكاني إلى النظر في مؤشرات القوى العاملة السعودية بحلول 2025 وأبعاد تحدي البطالة كأحد أهم التحديات التي يتوقع أن تواجهها عملية تأهيل العمالة الوطنية اللازمة لتنفيذ خطط توسيع القطاعات الاقتصادية والإنتاجية من اليوم حتى عام 2025.
يستهدف الاقتصاد السعودي مجموعة من المستهدفات الطموحة بحلول عام 2025. من هذه المستهدفات ذات العلاقة بالقوى العاملة أن يصل إجمالي القوى العاملة إلى 15 مليون عامل. يشكل السعوديون منهم قرابة 11.85 مليون عامل، يشكل العاملون السعوديون الذكور قرابة 8.29 مليون مقابل قرابة 3.56 مليون عاملة سعودية. يتوقع كذلك أن تحقق هذه القوى مستوى جيدا من التأهيل بوجود قرابة 3.9 مليون يحملون الشهادة الجامعية، وقرابة 5.2 مليون يحملون الشهادة الثانوية، وقرابة مليون يحملون الشهادة المتوسطة، وقرابة مليون آخر يحملون الشهادة الابتدائية، والبقية يعرفون الكتابة والقراءة فقط.
وعلى الرغم من جميع هذه المستهدفات الطموحة، إلا أن نتائج اليوم وأداء الأمس ترسل رسائل تحذير بأن هذه المستهدفات قد تنجرف من مسار الطموح إلى مسار الأماني الموازي لمسار الطموح بحلول 2025. تشير إحصاءات مصلحة الإحصاء العامة والمعلومات إلى أن إجمالي القوى العاملة كان نهاية الستينيات الميلادية في المملكة قرابة 1.5 مليون عامل موجود معظمهم في القطاع الخاص بنسبة سعودة تلامس 90 في المائة. تطورت هذه الأرقام بشكل تدريجي طوال العقود الأربعة الماضية لتسجل قرابة ثمانية ملايين عامل، وبوجود قرابة 4.3 مليون عامل سعودي متواجد قرابة 73 في المائة في القطاع الخاص، وبمعدل بطالة لامس 11 في المائة. وعلى الرغم من قدرة الاقتصاد السعودي خلال الأعوام السبعة الماضية على استحداث ما معدله 200 ألف وظيفة سنوياً، إلا أن معظم هذه الوظائف المستحدثة كانت من نصيب العمالة غير السعودية، عطفاً على الأسباب ذاتها التي صاحبت الطفرة الاقتصادية الأولى قبل ثلاثة عقود والتي تدور معظمها حول عدم توافر العمالة الوطنية ''المؤهلة''!
أشار تقرير المراجعة السنوية عن الاقتصاد السعودي الصادر مطلع الشهر الحالي عن صندوق النقد الدولي إلى حجم تكلفة استيعاب القوى العاملة السعودية في سوق العمل السعودية. حيث أشار التقرير إلى أن الاقتصاد السعودي يجب أن يحقق معدل نمو سنوي يقارب 7.5 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي خلال العقد المقبل. وسيستحدث معدل النمو هذا قرابة 230 ألف وظيفة سنوياً. وسيتيح هذا التوسع شغل هذه الوظائف الجديدة بعمالة سعودية مؤهلة قادرة على المشاركة بفاعلية في تحقيق معدل النمو السنوي المستهدف. وعلى الرغم من السياسات والإجراءات والمبادرات القائمة والهادفة إلى تقديم عمالة سعودية مؤهلة، إلا أن النتائج ما زالت دون المأمول في جانب الناتج المحلي الإجمالي، بشكل عام، وشقه غير النفطي، بشكل خاص.
تقودنا هذه النتائج المتواضعة في جانب إنتاجية الاقتصاد السعودي غير النفطية إلى النظر في أهمية توفير العمالة الوطنية المؤهلة في القطاعات غير النفطية. وأحد المجالات التي ستسهم في دعم هذا الجانب وجود العمالة السعودية في بيئة عمل غير نفطية تمكنها من اكتساب التأهيل المهني والخبرة التجارية التنموية اللازمة في تحقيق التنمية المستدامة للاقتصاد السعودي. ومثل هذه المبادرات لا يمكن أن تحقق النتائج على المستوى الوطني دون توافر الدعم الحكومي لتواجد العمالة الوطنية خارج مظلة الاقتصاد السعودي لفترة زمنية تمكنها من تحقيق الهدف المنشود على المدى البعيد. دعم حكومي على غرار برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للابتعاث الخارجي. برنامج وطني يعمل وفق منهجية تستهدف تحقيق مستهدفات الاقتصاد السعودي بحلول 2025، بعون الله تعالى وتوفيقه.