لماذا لا نرى عيوبنا ؟!
الإنسان بطبعه يحب نفسه حتى ولو أنكر ذلك ! وتلك حقيقة فطرية , فهو يتمنى لها الخير والسلام , ويحب لها الراحة والطمأنينة . والبعض الآخر يتمنى لها المجد والقوة والتمكين , وآخرون يتمنون التمتع وتذلل بالحياة. و تلك أشكال مختلفة تدل على حبنا لذواتنا ,ولذلك ترانا نعشق ونحب من يمدحنا ويثني علينا وهذه غريزة, ولكننا في المقابل نمقت أو نَفِر ممن يذكرنا بعيوبنا.
وهناك بعض الأَردية التي نلبسها فلا نرى عيوبنا, أشدها علينا وطأ هو رِدَاءُ الكِبر , ذلك يبني على عقولنا وقلوبنا غشاوة فلا نرى إلا الجمال والكمال فينا !. وأعتقد أن هذه الصفة بذات هي رأس المصائب , وأسوأها على الإطلاق , ويدل على ذلك أنها الصفة المتلازمة للشيطان , فله فيها حق السبق والريادة , ولذلك جاء في الحديث " الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ", و المعنى هو رد الحق , و الاستعلاء على الناس وبخسهم مكانتهم.
وأما الرِّدَاءُ الأخرى الذي يُلبسه لنا الآخرون فيحجب عنا عيوبنا هو رداء المدح , وخصوصا إذ كان ذلك المدح موجه إلى أصحاب المناصب الإدارية والاجتماعية لأنه يبعث لهم شعورا بالرضا التام عن النفس , ويخلق حاجزا معنويا , ويولد حساسية مفرطة وشديدة تجاه النقد. ونحن هنا لا نتكلم عن المدح المشجع أو الممزوج بالتوجيه, بل عن الذين يطبلون ويتملقون للآخرين.
وهناك رداء أخرى نلبسه يلامس مشاعرنا فيحول بيننا وبين رؤية عيوبنا, الا وهو التركيز على عيوب الآخرين أو محاولة استكشافها وتضخيمها. وكأننا بطريق غير مباشر نحاول أن نقول أننا خير منهم لأننا بغير عيوب ؟!,أو أقل منهم عيوبا. ولنتأمل أنفسنا جيدا من الداخل حين نرى شيئا جميلا أو انجازا من حولنا فإن عيون النقد تحاول أن تجد العيب فيه , وتلك خصلة وللأسف متأصلة في البعض منا.
ليست المشكلة في العيوب والأخطاء ولكن المشكلة تكمن فينا نحن, وفي سعينا لإخفائها حتى عن أنفسنا !. وحتى نراها جلية واضحة فعلينا أولا الاعتراف بقصورنا نحن البشر.وأننا مهما بلغنا من العلم أو المعرفة أو التمكين والمنصب فهناك دائما من هو أعلم وأقوى منا, ويوجد في كل زمان من هو أعلى وأرقى منا شأنا, ودلالة على ذلك واضحة في القصة الشيقة , والذهبية في جمالها , و التي خلدها القرآن لموسى والخضر عليهما السلام .
إضافة الى ذلك لابد من معرفة أن الطريق إلى الأفضل يستلزم أن يكون حولك دائما رأي مخالف يذكرنا بعيوبنا وأخطائنا, وتلك ميزة قد تزيدنا ولا تنقصنا ! . يقول أ.د. عبد الكريم بكار " المؤسسات والحكومات والجماعات الناجحة تنظر إلى الرأي المخالف على أنه عامل ثراء وتقويم, ومساعد مهم في إصلاح الخلل وتلافي القصور ".
وأخيرا, كلنا خلقنا بعيوب لنتذكر دائما آدميتنا فلا نتكبر لنتعلم.