النهوض بعد السقوط
روح الهزيمة قد تتجاوز المفهوم التقليدي من هزيمة في حرب إلى هزيمة داخلية نفسية , وهي قد تنتقل من أفراد إلى حجم أكبر لتلامس مستوى مجتمعات وشعوب , وعندئذ تصبح ظاهرة متفشية متغلغلة فتعاني منها الأمم والدول لسنوات وربما عقود.
هناك صيحات تنطلق عبر الوسائل المختلفة لتقول لنا أننا أمة متخلفة عن ركب الحضارة, وتلك الأنباء و الأخبار نجدها في وسائل الإعلام الشرقية منها والغربية , المسموعة والمرئية, وهي منتشرة أيضا على صفحات الانترنت , و نسمع بها إما تصريحا أو تعريضا . وبعض تلك الوسائل تستدل بأرقام لتبين البون الشاسع بين حضارتي الشرق والغرب , وهي تركز في الغالب على المجالات الاقتصادية والسياسية و التعليمية , وكلها تشير إلى عمق الهوة بينهما.
ونحن في مثل هذه المواقف بين طرفي نقيض الأول منها متفائل مغرق جدا في التفاؤل, و الآخر متشائم مثبط قد استسلم وتوقف عن المسير , وهذا هو الذي يعنينا لأنه أشد علينا من الأول بمراحل.
قد يكون جزء من تلك الحقائق والأرقام صحيحا , ولكن البعض الآخر منها ربما ضُخم لقتل الروح ولتثبيط العزائم , ولخلق روح انهزامية لدى الأفراد لينعكس على ذلك على أفكار وسلوكيات الشعوب. وتلك الوسيلة هي أشد أنواع الهزائم , فهي تجعلنا نعتقد أنه ليس في الإمكان أحسن مما كان , و يصبح لدينا قناعة بأننا سنظل هكذا أبد الدهر, وأن تلك هي أقصى قدراتنا وإمكانياتنا ,و يصبح مجرد التفكير الإيجابي ذنب وخطيئة !, و يكون الأمل وهم وسراب .
ولكن الواقع القريب و الحديث يثبت لنا عكس تلك الاحباطات والانهزامية , وهو يدل على أنه هناك دائما بصيص أمل حقيقي ,وأنه كلما اشتدت الأزمات لأمة نفضت عنها الغبار لتثبت للعالم أن اللحاق بالركب ممكن , بل ويمكن أن نذهب إلى أبعد من ذلك فنُنافسهم في مجالات شتى . والأمثلة على ذلك كثيرة , فالمانيا سقطت في الحرب العالمية الأولى بهزيمة فادحة ومشينة , واقتصاد ضعيف وهزيل , و بديون مهولة ثم بعد عشرين سنة فقط ! أرعبت العالم بقوتها .و اليابان هي شكل من أشكال النهوض بعد السقوط , والتجربة الماليزية ليست بصعبة المنال , وما التطور التركي الاقتصادي الحديث منا ببعيد.
إننا نحتاج إلى معالجة التربة حتى نثمر أمة واحدة باسقة , وذلك ممكن وليس بمستحيل , والأمم العظيمة كالأفراد العظماء يحتاجون إلى علاج من الداخل حين يشتد عليهم العدو من الخارج.