نحن أيضا مؤثرون اقتصاديا

المشكلة الرئيسة التي تواجهنا في سلوكياتنا الاجتماعية التي تؤثر في الحركة الاقتصادية أنها غير موجهة، فلو أخدنا مثلا وجبة الإفطار فسنجد أن منا من يكون إفطاره التمر والقهوة العربية، ومنا من يفضل طبق فول شعبيا، ومنا من يفضل القهوة الأمريكية مع الدونات، ومنا من يفضل الأومليت مع كوب من الشاي، وكل ذلك يتم وفق رغبات شخصية غير موجهة، والمقصود هنا بالرغبات غير الموجهة عدم استخدام طرق تحفز الآخرين على تغيير سلوكياتهم إلى حيث نريد.
أما ما يخص طبيعة تلك الرغبات التي يجب علينا توجيهها فهي تلك المرتبطة اقتصاديا بالمجتمع، وإذا أخذنا المثال السابق نفسه – وجبة الإفطار – فسنجد أننا سنوجههم مثلا إلى أن يتناولوا إفطارهم في المطاعم بدلا من البيت، أو نوجههم إلى أن يتناولوا وجبة خفيفة في الظهيرة ويكون العشاء الوجبة الرئيسة التي يجب علينا جميعا أن نتناولها في المنزل وتكون في حدود الساعة السادسة مساء، لكن لماذا نفعل كل ذلك؟ الجواب ببساطة أننا نفعل ذلك لتحفيز نشاط اقتصادي سيرتقي بالمجتمع ليكون مجتمعا أكثر تحضراً، فلو قارنت بين قرية صغيرة مع مدينة بمستوى الرياض فستكتشف على الفور الفرق الشاسع في كمية ومستوى الخدمات والسلع، وهذا بكل بساطة نتيجة قيام سكان الرياض بشراء تلك الخدمات والسلع، فكانت النتيجة نجاح تلك الأنشطة، ولو وفرنا الخدمات والسلع نفسها في القرية الصغيرة فلن تنجح، لأن الناس هناك لن تقبل عليها بما يجعلها أنشطة مربحة.
ولو نظرت إلى ما يفعله الغرب في هذا الاتجاه ستصاب بالذهول من قدرتهم الكبيرة والماهرة على توجية سلوكيات المجتمع إلى حيث يريدون، لقد وصلوا في قدراتهم التسويقية إلى أن يجعلوا ملايين الناس تقبل على مشاهدة فيلم معين، بل يجعلونهم أيضا يشترون الهدايا التذكارية عنه، أما فيما يخص موضوعنا فستجد في السوبرماركت والكوفي شوب عددا كبيرا من الساندوشات لإفطار يوم أو يومين، وستجد أن ذلك المنظر بديع جدا على الرغم من أنك ستكتفي بساندوتش واحد، إلا أن المنظر يأسرك وتتمنى لو تجده في بلدك وستتأكد على الفور أنهم متقدمون عنك وفقا لمقاييسك غير المتخصصة، ولو نظرنا في مكان آخر سنجد أن مواسم التخفيضات تجلب عددا كبيرا جدا من الزبائن، إنهم يوجهون المجتمع بأساليب تسويقية متقدمة، المشكلة أننا لم نستوعب ذلك ولم نحاول أن نستقدم خبراء منهم لهذا الغرض، ولا أنسى أحد المطاعم الفاست فود العالمية حين عاقبنا لعدم ارتياد عدد كاف منا مطعمه، بأن أغلقة وافتتح مطعما في الحي المجاور، وكنا نستحق ذلك العقاب، لن يستمر أحد في تقديم خدماته لك إذا كان الأمر غير مربح بالنسبة له.
يجب علينا أولا أن نعرف مستوانا المالي والاقتصادي وما يناسبنا من تلك الخدمات والسلع، وتشجيع من هم في مستوانا على التفاعل مع تلك السلوكيات الاقتصادية - إذا صح التعبير، فقد آن الأوان لأن يكون إفطارنا الصباحي في المطاعم الخارجية لندعم نموها ونشجعها على الارتقاء بخدماتها على المستوى الكمي والنوعي ومستوى جودتها، كما يمكننا فعل ذلك في المجالات كافة، في مواسم التخفيضات وفي محال الملابس وفي المولات .
وأرى أن تلعب الغرف التجارية بالتعاون مع الجهات الحكومية دور الموجه لرغبات المجتمع، فتشعل المنافسة الإيجابية بين الشركات وتتأكد من أنها توفر لنا مستوى السلع والخدمات نفسه وبجودتها نفسها في بلدها الأم إذا كانت شركات أجنبية، وتوفر المناخ الملائم كي تنجح عمليات التسويق لتوجيه رغبات المجتمع إلى حيث نريد. في السابق كان الأب في الأسرة يعمل والأم تجلس في بيتها لتربية الأطفال، والآن تغيرت تلك العادات وأصبح كثير من الأمهات يعملن، وحان الوقت لتنتشر في مدننا الرئيسة حضانات الأطفال، ونحفز على أن تتغير عاداتنا في الطعام وتغيير أوقاته بما يتناسب مع تلك التغيرات، وإذا لم نفعل ذلك فستظهر في المجتمع مشكلات تؤثر في بناء العائلة وتؤثر في تربية أطفالنا مثل انتشار سلوك ترك الأطفال عند الخادمة، التي من الممكن أن تكون غير سوية أخلاقيا أو نفسيا، أو أن تكون سوية لكنها غير مؤهلة للاعتناء بالأطفال، المشكلة هنا عدم وجود جهة تعتبر نفسها مسؤولة عن ذلك، والمشكلة الأعظم أننا إلى الآن نتناقش مع الدول الأخرى حول رواتب الخادمات .. أرجو أن ننهي ذلك بسرعة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي