عولمة الصناعة

مرت 22 سنة على ظهور الكتاب الشهير ''الآلة التي غيرت العالم''، الذي كان نتاج تجمع دولي قامت به الجامعة الأمريكية الشهيرة (معهد ماساشوسيتس للتقنية) مع مجموعة من الباحثين حول العالم لاستشراف مستقبل صناعة السيارات، وهي الآلة التي غيرت العالم كما هو عنوان ذلك الكتاب. ترجم هذا الكتاب إلى أغلبية لغات العالم وطبع منه ملايين النسخ ووجدت فيه السياسة والأكاديميا والصناعة، على حد سواء استشرافا لواحدة من أهم الصناعات في التاريخ الحديث، هي صناعة السيارات. لقد رأى العالم أن صناعة العقارات وصناعة السيارات كانتا الهم الأكبر لرجال السياسة في أمريكا خلال الأحداث اللاحقة للانهيار الاقتصادي الذي يعيش العالم تبعاته اليوم. قدم كتاب ''الآلة التي غيرت العالم'' منهجية جديدة في عالم الصناعة، هي الإنتاج الليّنLean Production، وهي منهجية صناعية يابانية ابتدعتها شركة تويوتا، لتكون النقلة التاريخية الثانية في هذه الصناعة بعد منهجية خط التجميع الذي ابتدعته شركة فورد في العقد الأول من القرن الماضي. النقلة التاريخية الثالثة في هذه الصناعة - التي أصبحت مؤشرا صناعيا كميا للدول – هي عولمة صناعة السيارات، حيث أصبح للشركات الصانعة فروع تصنيع خارج الوطن الأم للشركة لتحقيق تنافسية من المزايا المضافة كالموقع الجغرافي ورخص اليد العاملة. الأسبوع الماضي دشنت شركة إيسوزو خط إنتاج في المنطقة الشرقية، وهي خطوة إيجابية إن تحققت فيها شروط التوطين التي تحتاج إلى مقالات عدة. مصنع إيسوزو ليس هو الأول في التاريخ الصناعي السعودي، فقد سبقه تجميع شاحنات مرسيدس في جدة قبل ثلاثة عقود، بل إن شركة الربيعان الصناعية أوجدت علامة سيارات جديدة وبدأت خط إنتاج لتجميع شاحنات خاصة تتكامل فيه Integration مكونات مستوردة كالمحرك وناقل الحركة وغيرهما مع منظومة المهام التي تصنعها الشركة ذاتيا. صناعة السيارات من صنف ما يعرف بالصناعات المتغذية، أي التي تعتمد على مئات أو آلاف المكونات التي تصنعها شركات متباعدة، ودرجة توطين الصناعة في دولة ما تقاس بنشوء مصانع ذاتية لتلك المكونات. نحن في المملكة نستطيع استقدام عمالة رخيصة ونستطيع التخفف من شروط ساعات العمل والحد الأدنى للأجور ونستطيع الحصول على طاقة بسعر رمزي لننتج سيارة بسعر تنافسي، لكن ذلك هو عين الفشل إن لم نجعلها درجة في سلم نرتقي به إلى إنشاء صناعات مغذية وتوطين الوظائف للسعوديين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي