الحكومة والإعلام بين الشفافية والمصداقية
العلاقة بين أي حكومة والإعلام بشكل عام وإعلامنا بشكل خاص علاقة يجب أن يتم استيعابها وفقا للمتغيرات الحالية التي نعيشها في عالمنا العربي أولا ثم محيطنا العالمي ثانيا، هذه العلاقة التي تتطلب المزيد من التكامل فيما يتعلق بإيضاح وتعزيز دور كل واحد منهما لأن العلاقة الحالية تقود إلى المزيد من الفجوات التي تنعكس بشكل سلبي على سمعة ومصداقية العمل والإنجاز في السعودية.
لقد لفت نظري خلال دراسة استغرقت أكثر من خمس سنوات أن الفجوة في العلاقة بين المسؤولين الحكوميين والعاملين في مختلف القطاعات الإعلامية تزيد اتساعا مع إصرار كل طرف على أنه على صواب وأن الآخر على خطأ، هذا التهميش من الطرفين يدفع ضريبته الوطن والمواطن، فالوطن أصبح ميدان معركة لإبراز كل سلبياته من خلال تهميش كل الجهود التي تقدمها الحكومة للارتقاء بالعمل، والمواطن أصبح محبطا نظرا لحجم الإساءات التي يراها من خلال الطرح الإعلامي المبرز والمعظم لكل سلبية على أساس أنه صوت المواطن وعين الرقيب، هذا الرقيب الذي يرغب في لفت النظر لطرحه، ما يدفعه أحيانا إلى تضخيم الحدث بشكل يلفت نظر المواطن والمسؤول، لكنه ينعكس سلبا على موقف المسؤول الحكومي لمعرفته أن ما يطرح أحيانا مبني على معلومات غير صحيحة ومتعرضة لفبركة إعلامية الهدف منها جذب المزيد من المشاهدين والقراء، هذه الزيادة تزيد من دخل القناة أو الصحيفة التي ينتمي إليها الإعلامي.
إن النظرة السلبية من المسؤول الحكومي للطرح الإعلامي والإصرار على النظرة القديمة التي تقول "كلام جرائد"، أي أنه كلام لا يقدم ولا يؤخر، هذه النظرة القاصرة لكل مسؤول حكومي في وقتنا الحاضر تؤثر بشكل كبير في مصداقية الحكومة وجهدها أمام مواطنيها والعالم أجمع، وكما نرى اليوم الأثر السلبي لهذه السلبية الإعلامية الحكومية التي نراها في ردود أفعال المواطنين وعدم احترامهم أو تقديرهم كل ما هو حكومي من مشاريع وبرامج حتى إنها تحولت إلى علاقة سلبية بين المواطن والحكومة من خلال تعدي بعض المواطنين على كل ما هو حكومي سواء تخريب المتنزهات أو المنشآت أو مخالفة الأنظمة بكل أنواعها، هذه التصرفات غير المسؤولة جاءت نتيجة الفجوة بين المسؤول الحكومي والإعلامي، ولهذا فإن المسؤول الحكومي اليوم يحتاج إلى استيعاب الآثار السلبية لمواقفه السلبية من الإعلام والطرح الإعلامي في الشأن المحلي، هذا الشأن الذي أصبح محل اهتمام المنظمات والإعلام العالمي، وكما نرى اليوم الكثير من تلك المنظمات والمؤسسات الإعلامية تهاجم المملكة مستندة في معلوماتها إلى ما يوفره الإعلام السعودي المباشر وغير المباشر من معلومات قد لا تحمل كل المصداقية، ولهذا فإن عدم اهتمام المسؤول الحكومي بالإعلام والطرح الإعلامي والانفتاح عليه والتواصل معه بالشفافية والسرعة التي تتطلبها المرحلة الإعلامية الحالية التي تستند إلى سرعة الإفادة والرد على كل حدث وتحقيق السبق الإعلامي.
كما أن قطاع الإعلام بكل وسائله ونتيجة التغير المتسارع لوسائل وأساليب الإعلام الحالية جعل منه قطاعا يعزز المهنية مقابل الوطنية بحيث أصبح كل كاتب أو مقدم برنامج أو مغرد يبحث عن الإثارة وإبراز الذات وتعظيم الفائدة الشخصية له والمالية لقطاعه، ما أدى إلى المزيد من الفجوة بين المصداقية والشفافية حتى إن إعلامنا اليوم أصبح صانعا للخير وليس ناقلا له وتضخم الأمر إلى درجة أن الإعلام يصنع حقيقة عن الحدث غير حقيقية ثم يعظمها حتى تصبح هي الحقيقة، ما يعوق إبراز الحقيقة عندما تتضح ويقدمها أمام الرأي العام، لأن الحقيقة التي فرضها الإعلام تكون أقدر على دغدغة مشاعر المواطنين وتتفق مع الصورة التي رسمها الإعلام عن الوضع العام.
إن ما أراه اليوم من غياب الشفافية والحضور الإعلامي الحكومي لكل مسؤولي الحكومة وإصرار الإعلام على تقديم المهنية على الوطنية، سيزيد من الفجوة في تعزيز الانتماء الوطني، والقراءة الهادئة لما حدث ويحدث خلال السنوات الخمس الماضية تلاحظ كيف نجحت بعض الأقلام الإعلامية في تشويه صورة التنمية، وبكل أمانة فإن القطاع الحكومي هو المسؤول الأول عن هذا التشويه بسبب عدم تفهمه متطلبات المرحلة الإعلامية الحالية وحرصها على سرعة التجاوب والشفافية في الطرح، وثاني هذه الأسباب غياب الضوابط التي تجرم التجاوزات الإعلامية المبنية على معلومات غير صحيحة توثر بشكل سلبي في كل الجهود التي تبذل في مجال التنمية.
إن المطلوب في هذه المرحلة تعزيز الشفافية وسرعة التجاوب من قبل المسؤولين الحكوميين مع متطلبات الخبر الإعلامي والعمل على تطوير المراكز الإعلامية في كل قطاع حكومي حتى يكون قادرا على تحقيق ذلك، والإعلام من جانبه يجب عليه ألا يعظم من المهنية على حساب مصالح الوطن وألا يدفع بالأخبار دون التأكد من صحتها أو أن يعمل على صناعة الخبر بدل أن يكون ناقلا له، وعلى الطرفين تحديد الأخبار التي يمكن نشرها أو نشر بعض منها أو عدم نشرها وفقا لظروف كل قضية وخبرها وعلى الدولة وضع النظام الذي يحمي الطرفين ويجرم الاعتداء أو التجاوز على الأنظمة والحقوق. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
وقفة تأمل
«اسلم عدال الشر لا عدال نفداك
يا مالك قلوب الملأ لاعدمناك
حنا يابو متعب على العهد باقين
والله لو تعطى الليالي عطيناك
شعبك يحبك يا أبوهم ويدعون
أن المليك اللي معه يطمئنون
الله يديمك للذي فيك يرجون
أو في الشعوب اللي بالأفراح حياك»